في غمار الشهوات الطاغية على الناس، وفي سُعار التكالب على هذه الحياة الدنيا، والحرص على شهواتها ولذاتها الفانية، وفي الطوفان الجارف للناس، نحو الخلود إلى الدنيا والاستزادة منها، ينبغي على المؤمن التقي أن لا يركن إلى هذه الدنيا الفانية، بل يجعلها وسيلة يتوسل بها إلى بلوغ الآخرة الباقية لأن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر، لهذا كان عليه أن يزهد في الدنيا لبلوغ الآخرة والزهد هو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة.
وقد عُني القرآن عناية واضحة بهذا فراح يحث أتباعه على إيثار الآخرة على الفانية قال تعالى:{بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى}( [٥٦] ) وقال تعالى: {وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع}( [٥٧] ) وجاء الرحمة المهداة - صلى الله عليه وسلم - فضرب لنا المثل الأعلى في الزهد والإعراض عن ملذات الحياة أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم ارزق آل محمد قوتاً)) ( [٥٨] ) ومن زهده - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج من الدنيا ولم يشبع ثلاثة أيامٍ تباعاً من خبز البر بل إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكتفي بالقليل من الزاد وكان - صلى الله عليه وسلم - ينام على الحصير وكان فراشه - صلى الله عليه وسلم - من أدم وحشوه ليف ولما أراد الصحابة - رضوان الله عليهم - أن يجعلوا له فراشاً ليناً أعرض - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك يبين هذا ما أخرجه الترمذي بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء. فقال: مالي وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ( [٥٩] )