والمتأمل للحديث السابق يجد أن الرسول - (- استعاذ بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة فالأول للصفة، والثاني لأثرها المترتب عليها، ثُمَّ ربط ذلك كله بذاته - سبحانه - {وبك منك} ؛ لأن ذلك كله راجع إليه وحده دون سواه (١) .
ويستحيل تخلف آثارها ومقتضاها عنها؛ لأن ذلك تعطيل لأحكامها كما أن نفيها نفي لحقائقها، وكلا التعطيلين محال عليه - سبحانه وتعالى -، فمن عطل صفاته - سبحانه -، فقد عطل الله مِمَّا يستحق، ومن لم يعمل بمقتضاها فقد عطل أحكامها وموجباتها، ومن جمع بين التعطيلين فقد حاز الكفر كله.
إن الحصول على رضا الله سبحانه وتعالى - أثر الصفة - درجة رفيعة من درجات المؤمنين الصادقين، كما في قوله- سبحانه -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} في سورة المائدة، وفي سورة التوبة، وفي سورة البينة وغيرها.
فهم يحصلون على درجة الرضا عنهم عند دخولهم الجنات وخلودهم فيها فيغمرهم رضاه - سبحانه - ويبلغوا درجة الرضا بما لقوا من نعيم ربهم الكريم.
ورضا الله - سبحانه وتعالى - من أعظم ما يمتع به المؤمن الصادق، فهو بما يصحبه من نعيم مقيم إلاَّ إنه في ذاته هو النعيم فهو أعلى وأكرم مثوبة من الله {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(٣) .