للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان الاستثناء منقطعا١: فإن لم يمكن تسليط العامل على المستثنى وجب النصب اتفاقا، نحو: "ما زاد هذا المال إلا ما نقص" إذ لا يقال زاد النقص، ومثله: "ما نفع زيد إلا ما ضر" إذ لا يقال نفع الضر.

وإن أمكن تسليطه فالحجازيون يوجبون النصب، وعليه قراءة السبعة: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} ٢، وتميم ترجحه وتجيز الإتباع، كقوله٣: [الراجز]


= هذه الحالة راجعا على إتباع المستثنى للمستثنى منه، فلم يعط المستثنى في هذه الحالة حكم المستثنى المتقدم على المستثنى منه نفسه، ولم يعطَ حكم المستثنى المتأخر على المستثنى منه، وهذا الرأي هو ما حكاه الأثبات -ومنهم ابن هشام- عن المازني، وهو ما اختاره المبرد أيضا فيما ذكره ابن مالك في شرح كافيته؛ وثانيهما: أن لا يترجح نصب المستثنى في هذه الحالة، ولا يترجح إتباعه للمستثنى منه؛ بل يستوي الأمران؛ وأصحاب هذا الرأي، نظروا إلى الأمرين معا؛ أن المستثنى منه متقدم على المستثنى، وأن صفة المستثنى منه متأخرة عن المستثنى، فأعطوا كل واحد من الأمرين لمحة من النظر؛ فلما وجدوا كل واحد من هذين الأمرين يقتضي حكما يخالف الحكم الذي يقتضيه الآخر، أعطوا هذه الصورة حكما متوسطا، قال ابن مالك: "وعندي أن النصب والبدل عند ذلك مستويان؛ لأن لكل واحد منهما مرجحا". شرح التصريح: ١/ ٣٥١-٣٥٢.
١ وهو ما فقد أحد ركني المتصل؛ نحو: قام القوم إلا حمارا لفاقد البعضية، وقوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} لفاقد المخالفة في الحكم لما قبله ويشترط في المنقطع أن يناسب المستثنى منه، فلا يجوز: "قام القوم إلا ثعبانا"، وألا يتقدم ما هو نص في خروجه؛ فلا يصح: "صهلت الخيل إلا الإبل"، بخلاف صوتت مثلا.
٢ "٤" سورة النساء، الآية: ١٥٧.
موطن الشاهد: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} .
وجه الاستشهاد: نصب "اتباع" على الاستثناء؛ وحكم نصبه على الاستثناء الوجوب على مذهب البصريين؛ لأنه لا يصح فيه الإبدال حقيقة من جهة إن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه؛ وأما التميميون؛ فيرجحون النصب على الاستثناء؛ ويجيزون الإتباع؛ فيقرأون: "إِلَّا اتِّبَاعُ" بالرفع على أنه بدل من العلم باعتبار الموضع، ولا يجوز أن يقرأ بالخفض على الإبدال منه باعتبار اللفظ؛ لما تقدم من أنه معرفة موجبة و"من" زائدة، لا تعمل فيها. شرح التصريح: ١/ ٣٥٣.
٣ القائل: عامر بن الحارث، المعروف بجران العود، وهو أحد بني كلفة -بضم الكاف وفتحها- أو كلدة النميري، شاعر جاهلي أدرك الإسلام، لقب بجران العود لبيت قاله وهو:
خذا حذرا يا ضرتي فإنني ... رأيت جران العود قد كان يصلح
وذلك أنه كان له زوجتان، فاتخذ سوطا يهددهما به.
الشعر والشعراء: ٢/ ٧١٨، والخزانة ٤١/ ١٩٧، والمقاصد: ١/ ٤٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>