للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك إذا أنزل المطر، وقت الحاجة إليه، عُلِم أنه أنزله ليحيي به الأرض.

وكذلك إذا دعاه الناس مضطرين، فأنزل المطر، عُلِم أنه أنزل ليُحيي الأرض لإجابة دعائهم، فلا يتصوّر أن يعلم أنّه أراد هذا لهذا١، ولا يُتصوّر الإحكام والإتقان، إلا إذا فعل هذا للحكمة المطلوبة.

فكان ما عُلم من إحكامه وإتقانه، دليلاً على علمه، وعلى حكمته أيضاً، وأنه يفعل لحكمة.

تناقض الفلاسفة الذين يثبتون الأحكام

والذين استدلّوا بالإحكام على علمه، ولم يثبتوا الحكمة٢، وأنه يفعل هذا لهذا، متناقضون عند عامّة العقلاء. وحذّاقُهم معترفون بتناقضهم؛ فإنّه لا معنى للإحكام إلا الفعل لحكمة مقصودة، فإذا انتفت الحكمة، ولم يكن فعله لحكمة، انتفى الإحكام. وإذا انتفى الإحكام، انتفى دليل العلم.

وإذا كان الإحكام معلوماً بالضرورة، [ودلالته على العلم معلومة بالضرورة] ٣، عُلم أن حكمته ثابتة بالضرورة، وهو المطلوب.

مقتضيات صفة العلم لله

وأيضاً فإذا ثبت أنه عالم، فنفس العلم يوجب أنه لا يفعل قبيحاً، ولا يجوز أن يفعل القبيح، إلاّ من هو جاهل، كما قد بسط في غير هذا


١ قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [سورة الشورى، الآية ٢٨] ، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة الروم، الآيات ٤٨-٥٠] .
٢ المقصود بهم الفلاسفة الذين يُثبتون العناية والإحكام (الحكمة الغائية) . انظر: درء تعارض العقل والنقل ٩١١١. وانظر ما سبق في هذا الكتاب ص ١٠٢٦.
٣ ما بين المعقوفتين مكرّر في ((خ)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>