للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يكون الإحكام دالا على العلم على أصلكم؛ فإنّ الإحكام: إنّما هو جعل الشيء محصّلاً للمطلوب؛ بحيث يجعل لأجل ذلك المطلوب. وهذا عندهم لا يجوز؛ فإثباته علمه، وتصديق رسله مشروطٌ بأن يفعل شيئاً لشيءٍ. وهذا عندكم لا يجوز، فلهذا يُقال: إنّكم متناقضون، والله سبحانه وتعالى أعلم.

حقيقة المعجزة على قول الأشاعرة

الوجه الثامن: أنّ حقيقة الأمر على قول هؤلاء الذين جعلوا المعجزة: الخارق، مع التحدي: أنّ المعجز في الحقيقة ليس إلا منع الناس من المعارضة بالمثل؛ سواءٌ كان المعجز في نفسه خارقاً، أو غير خارق١. وكثيرٌ [ممّا] ٢ يأتي به [الساحر] ٣ والكاهن أمرٌ معتادٌ لهم.

وهم يجوّزون أن يكون آيةً للنبيّ. وإذا كان آيةً، منع الله الساحر والكاهن من مثل ما كان يفعل، أو قيّض له من يعارضه.

وقالوا: هذا أبلغ؛ فإنه منع المعتاد. وكذلك عندهم [أحد] ٤ نَوْعَي المعجزات [منعهم] ٥ من الأفعال المعتادة. وهو مأخذ من يقول بالصرفة٦.


١ انظر: البيان للباقلاني ص ١٦-٢٠، ٧٢-٧٣. والإرشاد للجويني ص ٣٢٨-٣٣١.
٢ في ((ط)) فقط: ما.
٣ في ((ط)) فقط: ساحر.
٤ في ((م)) ، و ((ط)) : إحدى.
٥ في ((ط)) فقط: فيهم.
٦ الصرفة: هي أنّ الله تعالى صرف الخلق عن الإتيان بمثل القرآن الكريم. وهو قولٌ قال به بعض أهل الكلام؛ كالرازي، وغيره. والصواب أنّ القرآن بنفسه معجز.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن أضعف الأقوال: قول من يقول من أهل الكلام إنّه معجز بصرف الدواعي مع تمام الموجب لها، أو بسلب القدرة التامة، أو بسلبهم القدرة المعتادة في مثله سلباً عاماً، مثل قوله تعالى لزكريا: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} [سورة مريم، الآية ١٠] . وهو أنّ الله صرف قلوب الأمم عن معارضته، مع قيام المقتضي التامّ؛ فإنّ هذا يُقال على سبيل التقدير والتنزيل.... وإلا فالصواب المقطوع به: أنّ الخلق كلّهم عاجزون عن معارضته، لا يقدرون على ذلك، ولا يقدر محمد صلى الله عليه وسلم نفسه من تلقاء نفسه على أن يبدل سورة من القرآن، بل يظهر الفرق بين القرآن وبين سائر كلامه لكلّ من له أدنى تدبّر؛ كما قد أخبر الله به في قوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} . [سورة الإسراء، الآية ٨٨] ... ) . الجواب الصحيح ٥/٤٢٩-٤٣١.
وانظر: المصدر نفسه ٥/٤٢٠-٤٣١. والمغني في أبواب التوحيد والعدل لعبد الجبار ١٦/٢٦٤. وشرح الأصول الخمسة له ص ٥٨٧-٥٩٠. ومقالات الإسلاميين للأشعري ١/٢٩٦. وأعلام النبوة للماوردي ص ٢٢١-٢٢٢. وإعجاز القرآن للباقلاني ص ٧٧-٧٩. والمواقف في علم الكلام للإيجي ص ٣٥٢. ومناهل العرفان للزرقاني ص ٣١٠-٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>