وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغنى عنكم شيئا ههنا وقال عكرمة والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لا ينجني في البر غيره اللهم أن لك علي عهدا أن أنجيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا اضع يدي في يده فلأجد له عفوا كريما فنجا فأسلم وأما عبد الله بن أبي سرح فإنه اختبى عند عثمان فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للبيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث مرات ثم أقبل على أصحابه فقال:"أما كان فيكم رجل يقوم إلى هذا حين رآني قد كففت يدي عن مبايعته فيقتله" فقالوا: ما درينا يا رسول الله فهلا أومأت إلينا بعينك؟ فقال:"إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين" فيه أنه صلى الله عليه وسلم أمر في الأربعة بقتلهم مطلقا ثم خرج من ذلك عكرمة وعبد الله بإسلامهما فحقن دمهما وقتل الآخران بالكفر الذي ثبتا عليه وخروجهما بطريق الاستثناء الشرعي دون اللساني فكذلك تكون أمور الأئمة بالعقوبات مستثنى منها بما يدفع العقوبات بالشريعة وإن لم يستثنوا ذلك بألسنتهم.
ومنه ما روى مطيع بن الأسود وكان اسمه العاصي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكه يقول: "لا تغزي مكة بعد هذا العام أبدا ولا يقتل رجل من قريش صبرا بعد اليوم" لم يذكر الراوي لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم معربا وذلك مما يقع فيه الأشكال لأنه إن كان لا يقتل بالجزم كان ذلك على الأمر وفيه خلاف حكم الله لان حكم الله أن القرشي يقتل قودا ويرجم إذا زنى محصنا وحاشا أن يكون لفظ رسول الله صلى الله عيه وسلم مخرجا له عن هذه الأحكام فتأويله والله أعلم لا يقتل مرفوعا على الخبرية كقوله: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" وسيأتي بيانه.