للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا هو المنهج السني السليم في قبول روايات أهل الكتاب وكتبهم أو ردها، فأين منهج السيد -الذي يقول بقبول جميع الكتب المشهورة- من هذا المنهج الصحيح الذي فيه التوازن والعدل.

ثالثا: وقد ثبت تحريف التوراة بأدلة قاطعة، وقد بين ابن حزم رحمه الله كيف تم هذا التحريف تاريخيا بسبب رِدَّاتِهم، وبعد أن سرد هذا التاريخ قال: "فاعلموا الآن أنه كان منذ دخلوا (أي اليهود) الأرض المقدسة إثر موت موسى عليه السلام إلى ولاية أول ملك لهم وهو "شاول"، المذكور سبع ردّات، فارقوا فيها الإيمان وأعلنوا عبادة الأصنام، فأولها: بقوا فيها ثمانية أعوام، والثانية: ثماني عشرة عاما، والثالثة: عشرين عاما، والرابعة: سبعة أعوام، والخامسة: ثلاثة أعوام وربما أكثر، والسادسة: ثماني عشرة عاما، والسابعة: أربعين عاما.

فتأملوا! ! أي كتاب يبقى مع تمادي الكفر ورفض الإيمان هذه المدد الطوال في بلد صغير مقدار ثلاثة أيام في مثلها فقط، ليس علي دينهم واتباع كتابهم أحد على ظهر الأرض غيرهم" اهـ (١).

رابعا: إن علماء بني إسرائيل بدلوا التوراة والزبور فزادوا ونقصوا، وأبقى الله بعضها حجة عليهم كما شاء، وبدل علماء النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا، وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (٢) (٣).

خامسًا: وإن قيل إن عيسى كانت عنده التوراة كما نزلت وكان عنده الإنجيل كما نزل، نعم إن المسيح بلا شك كانت عنده التوراة المنزلة كما أنزلها الله تعالى، وكان عنده الإنجيل المنزل، قال الله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} (٤) إلّا أنه عرض في النقل عنه بعد رفعه عارض


(١) الفصل في الملل لابن حزم: ١/ ٢٩٠.
(٢) سورة الأنبياء: ٢٣.
(٣) ينظر الفص في الملل لابن حزم: ١/ ٣١٤ - ٣١٥.
(٤) سورة آل عمران: ٤٨، ٤٩.