أو قلت لك: اكتب كتابا يخلو من الحروف العواطل، هل كنت تحظى منه بطائل؟ أو كنت تبلّ لهاتك بناطل؟
أو قلت لك: اكتب كتابا أوائل صدوره كلّها ميم، وآخره جيم، على المعنى الذي يقترح، هل كنت تغلو في قوسه غلوة، أو تخطو في أرضه خطوة؟
أو قلت لك: اكتب كتابا إذا قرئ معرّجا، وسرد معوّجا، كان شعرا، هل كنت تقطع في ذلك شعرا؟
بلى والله، تصيب، ولكن من بدنك، وتقطع ولكن من ذقنك. وأقول لك:
اكتب كتابا إذا فسّر على وجه كان مدحا، وإذا فسّر على وجه آخر كان قدحا، هل كنت تخرج من هذه العهدة؟
أو قلت لك: اكتب كتابا إذا كتبته تكون قد حفظته من دون أن لحظته، هل كنت تثق من نفسك به إلى مالا أطاولك بعده؟ بل است البائن أعلم.
فقال أبو بكر: هذه الأبواب شعبذة. فقلت: وهذا القول طرمذة؛ فما الذي تحسن أنت من الكتابة وفنونها، حتّى أباحثك على مكنونها، وأكاثرك بمخزونها، وأشبر فيها قلمك، وأسبر فيها لسانك وفمك؟ فقال: الكتابة التي يتعاطاها أهل زماننا هذا المتعارفة بين النّاس؛ فقلت: أليس لا تحسن من الكتابة إلّا هذه الطريقة الساذجة، وهذا النوع الواحد المتداول بكلّ قلم، والمتناول بكل يد وفم، ولا تحسن هذه الشّعبذة؟ فقال: نعم، فقلت: هات الآن حتى أطاولك بهذا الحبل، وأناضلك بهذا النبل، ثم تقاس ألفاظي بألفاظك، ويعارض إنشائي بإنشائك.
واقترح كتاب يكتب في النّقود وفسادها، والتجارات ووقوفها، والبضاعات وانقطاعها، والأسعار وغلائها؛ فكتب أبو بكر: الدرهم والدينار ثمن الدّنيا