للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوعال الجبلية؛ قد تحنت تحني النساك، وصالت صيال الفتاك؛ ظواهرها صفر وارسة، ودواخلها سود دامسة، كأن شمس أصيل طلعت [في] متونها، أو جنح ليل اعتكر في بطونها، أو زعفران جرى فوق مناكبها، أو غالية جمدت على ترائبها، أو ثني قضبان فضة أذهب بعضها واحترق شطر، أو حيات رمل اعتنقت السود منها والصفر؛ فلما توسطوا تلك الروضة، وانتشروا على أكناف تلك الغيضة، وثبتت للرمي أقدامهم، وشخصت إلى الطير أبصارهم، وتروها بكل وتر فوّق سهمه، وأفق انقض نجمه، مضاعف عليها من وترين كأنه بروح ذو جسدين، في وسط تسريحه كيس مختوم، أو سرة بطن مهضوم، كأنها متخازر ينظر شزرا، أو مصغ يتسمع نزرا، تصيب قلوب الطير بالأنباض، وتصيب منها مواقع الأعراض؛ فلم يزل القوم يرمون ويصيبون، وينجحون ولا يخيبون، حتى خلت من البندق خرائطهم، وامتلأت بالصيد حقائبهم، فكم عارضت الطير فكسرت أجنحتها وجآجئها، واستطارت في الجو قوادمها وخوافيها، تعاجل قبل فناء ذمائها «١» ، ويصير ريشها كالمجاسد من دمائها محمولة على حكم الكفار، إذ يقتلون ومصيرهم إلى النار؛ تحنط بتوابلها وأبازيرها، وتوارى في قدورها وتنانيرها، ثم تبعث إلى إخوان متوافقين، وخلان مترافقين، قد تمالحوا في الطعام، وتراضعوا في المدام، لا يشوب صفوهم شائب، ولا يعيب فضلهم عائب؛ فالحمد لله الذي أباحنا لذيذ المطاعم، ونهج لنا سبيل المغانم.

<<  <  ج: ص:  >  >>