ورامت وصولا للندامى فلم تجد ... سبيلا بفيض ما يعوق من الدرّ
فلا تحسبوا أنّ انكسار ثنيّه ... بشين فكل الخير في ذلك الكسر
تأشّر منها بعضها ولعابها ... وأحسن ما في الثغر إن صار ذا أشر «١»
وصرنا متى نلثمه نرشف رضا به ... فتجري لنا الصهباء من لثمة الثغر
رضاب به يشفى الأوام أخو الصبا ... فكالشّهد في طعم وكالمسك في نشر
حباني به فرخ من الترك لم يصل ... من العمر إلّا أربعا فوق ما عشر
يكوّن من نور قوافي نهاية ... من الحسن إذ أضحى كيوسف في مصر
أنسنا بقرب منه من بعد وحشة ... وأبدلنا الوصل المهنّأ بالهجر
وأمتعنا من ريقه وجبينه ... بأشهى من الصّهبا وأبهى من البدر
بجسم حكى لونا سبيكة فضّة ... وقد أشربت شيئا يسيرا من التّبر
وعين له لحظا لفتنة ناظر ... كأن بها هاروت ينفث بالسحر
تناسبت الأعضاء منه فلا ترى ... بهن اختلافا بل أتين على قدر
أسرّح عيني في الملاح فلا أرى ... شبيها له فيهم ولا جال في فكر
تمازج روحانا هوى وصبابة ... فبالجسم في شفع وبالروح في وتر
وجاء لنا طوع المراد فلا يرى ... عصيا لنا في الطوع والنهي والأمر
نقضي به عيشا من الدهر صالحا ... ونجني به الآمال دانية الثمر
ومنه قوله: [الطويل]
هي الوجنة الحمراء والشّفة اللميا ... لقد تركاني في الهوى ميتا حيّا
هما ألبسا جسمي سقاما وواريا ... فؤادي غراما حمله الصعب قد أعيا
فمن مهجتي نار ومن مقلتي حيا ... متى اشتعلت هذي يزيّد ذا جريا
وبي من إذا ناجيته ذبت هيبة ... وجانبته جهرا وهمت به خفيا
مليح إذا ما لاح أبهت من رنا ... فاردى الذي أنأى وأحيا الذي حيا
عليم بنيّات النفوس وما حوت ... كأن له من نجو أسرارها وحيا