للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل منهن في الشهر التاسع من حملها, وكان معي إلى كل هذه البلاء خمس صحف يومية أريد قراءتها!

ثم جئت إلى الدار والمعركة حامية في أعصابي؛ وما كان سوء الهضم منومة فيدعو إلى النوم، فدخلت بيت كتبي وأردت كتابا أي كتاب تناله يدي، فخرج لي كتاب في خرافات الأولين وأساطيرهم وهذيانهم وسوء هضمهم العقلي, كالكلام عن أدونيس وأرطاميس وديونيس وسميراميس وإيسيس وأتوبيس وأثرغتيس, فاستعذت بالله وقلت: حتى الكتب لها في الليلة أعصاب قد نالتها الثقلة والألم؟

وبات الليل يقظان معي، وبقيت متململا أتقلب حتى أخذ الصداع في رأسي، فانقلب التعب نومًا، وجاء من النوم تعب آخر، وقذفت إلى عالم الأحلام في قنبلة تستقر بي حيث تريد لا حيث أريد.

ورأيتني في قوم لا أعرف منهم أحدا قد اجتمعوا جماهير، وسمعت قائلا منهم يقول: "الساعة يمر مولانا العالي" فقلت لمن يليني: "من يكون مولانا العالي؟ " قال: "أوَ أنت منهم؟ " قلت: ممن؟ " فألهاه عن جوابي تشوف الناس وانصرافهم إلى رجل أقبل راكبا حمارًا أشهب؟ فصاحوا "القمر القمر"١ ورفع الرجل الذي يناكبني صوته يقول: "البركات والعظمات لك يا مولانا العالي".

قلت: إنا لله! لقد وقعت في قوم من الزنادقة، يعارضون "التحيات الصلوات والطبيات لله"؛ ثم مر صاحب الحمار بحذائي، وغمزه الرجل علي، فقال: ما بالك لا تقول مثله؟ قلت: أعوذ بالله من كفر بعد إيمان، فكأنما أراد أن يلطمني فرفع يده، فصحت فيه: كما أنت -ويلك- وإلا قبضت عليك وأسلمتك للبوليس، وشكوتك إلى النيابة، ورفعتك إلى محكمة الجنح!

قال: ماذا أسمع؟ الرجل مجنون فخذوه! وأحاط بي جماعة منهم، ولكنه ترجل عن حماره وأخذ بيدي ومشينا، فقلت: من أنت يا هذا؟ قال: أراك من غير هذا البلد؛ أما تعرف الحاكم بأمر الله؟ فأنا هو. قلت: انظر -ويحك- ما تقول. فما أظنك إلا ممرورا؛ لقد كتبت أمس كتابا إلى مجلة "الرسالة" أرخته ١٣ من ذي


١ القمر: اسم ذلك الحمار، وسيمر ذكره في القصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>