"إن كثيرًا من أسرى الاستبداد من بني الإنسان لا يشعرون بما تشعر به هذه الهرة المحبوسة في الغرفة، والوحش المعتقل في القفص، والطير المقصص الجناح من ألم الأسر، وشقائه بل ربما كان بينهم من لا يفكر في وجه الخلاص، أو يلتمس السبيل إلى النجاة مما هو فيه، بل ربما كان بينهم من يتمنى البقاء في هذا السجن ويأتي به، ويتلذذ بآلامه وأسقامه.
من أصعب المسائل التي يحار العقل البشري في حلها أن يكون الحيوان الأعجم أوسع في الحرية ميدانا من الحيوان الناطق، فهل كان نطقه شؤما عليه، وعلى سعادته؟ وهل يجعل به أن يتمنى الخرس والبله ليكون سعيدا بحريته؟ كما كان قبل أن يصبح ذكيا ناطقا؟.
....... ليست جناية المستبد على أسيره أنه سلبه حريته بل جنايته الكبرى أنه أفسده عليه وجدانه، فأصبح لا يحزن لفقد تلك الحرية، ولا يذرف دمعة واحدة عليها.
ولو عرف الإنسان قيمة الحرية المسلوبة منه، وأدرك حقيقة ما يحيط بجسمه وعقله من السلاسل، والقيود لا نتحر كما ينتحر البلبل إذا حبسه الصياد في القفص، وكان ذلك خيرًا له من حياة لا يرى فيها شعاعا من أشعة الحرية، ولا تخلص إليه نسمة من نسماتها.
لا سبيل إلى السعادة في هذه الحياة إلا إذا عاش الإنسان فيها حرًّا لا يسيطر على جسمه، وعقله ونفسه، ووجدانه وفكره إلا أدب النفس.