وَأَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْحَصْرُ، وَيَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ونحوها من "الأوامر" طلب إيجاب المأمور به في الوجود وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ صِيغَةَ "افْعَلْ" لِلْوُجُوبِ فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَسَمِ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ يَدَّعِي الْجَهْلَ بِمَعَانِي أَلْفَاظِهِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ
وَأَمَّا مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْغُيُوبِ نَحْوَ الْآيِ الْمُتَضَمِّنَةِ قِيَامَ السَّاعَةِ وَتَفْسِيرَ الرُّوحِ وَالْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ وَكُلَّ مُتَشَابِهٍ فِي الْقُرْآنِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ فَلَا مَسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَا طَرِيقَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ بِنَصٍّ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الْحَدِيثِ أَوْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى تَأْوِيلِهِ
وَأَمَّا مَا يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ وَيَرْجِعُ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ فَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ إِطْلَاقُ التَّأْوِيلِ وَذَلِكَ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ
وَكُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا فَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْعُلَمَاءِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ وَعَلَيْهِمُ اعْتِمَادَ الشَّوَاهِدِ وَالدَّلَائِلِ دُونَ مُجَرَّدِ الرَّأْيِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ أَظْهَرَ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْخَفِيُّ وَإِنِ اسْتَوَيَا- وَالِاسْتِعْمَالُ فِيهِمَا حَقِيقَةٌ لَكِنْ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ أَوْ عُرْفِيَّةٌ وَفِي الْآخَرِ شَرْعِيَّةٌ- فَالْحَمْلُ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا فِي {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} وَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا عُرْفِيَّةً وَالْآخَرِ لُغَوِيَّةً فَالْحَمْلُ عَلَى الْعُرْفِيَّةِ أولى لأن الشرع ألزم، فَإِنْ تَنَافَى اجْتِمَاعُهُمَا، وَلَمْ يُمْكِنْ إِرَادَتُهُمَا بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ، كَالْقُرْءِ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute