يلزم العمل ما لم يصحّ الخبر. فلمّا تحققنا الأمر من قصّه، وتعاضد قياسه بنصّه، لم نقدّم على المبادرة عملا، وبيّنا لكم من حسن اعتقادنا ما كان مجملا، فليهن تلك الإيالة ما استأنفته من شبابها، وتسربلته من جديد أثوابها، وليستقبل العيش خضرا، والدهر معتذرا، والسّعد مسفرا» .
وتمادى ملكه من الثامن والعشرين لجمادى الآخرة من عام تسعة وأربعين وسبعمائة إلى أن استوسق ملك المغرب للسلطان أبي عنان، واستأثر إليه أبيّه، وتحرك إلى منازلة تلمسان في جمادى الآخرة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة، وكسر جمعهم، واستولى على ملكهم حسبما يأتي، وبرز إليه سلطانها المذكور مؤثرا الإصحار على الاجتحار، واللقاء على الانحصار، وكانت بين الفريقين حرب ضروس، ناشب الزّيّانيون محلّات المغرب القتال، بموضع يعرف بإنكاد، على حين غفلة، وبين يدي شروع في تنقّل وسكون، وتفرّق من الحامية في ارتياد الخلا، وابتغاء الماء، فلم يرع إلّا إطلال الرّايات، وطلوع نواصي الخيل، فوقع الصراخ، وعلا النّداء، وارتفع القتام، وبادر السلطان بمن معه من الخالصة، وروّم الركاب الصّدمة، ومضى قدما، وقد طاش الخبر بهزيمته، فعاثت العربان في محلّته، وكانوا على الأموال أعدى من عدوّه، وفرّ الكثير إلى جهة المغرب بسوء الأحدوثة.
ولمّا تقاربت الوجوه، وصدق المصاع، قذف الله في قلوب الزيّانيين الرّعب، واستولى عليهم الإدبار، فانهزموا أقبح هزيمة، وتفرّقوا شذر مذر، واختفى سلطانهم عثمان المترجم به، وذهب متنكرا وقد ترجّل، فعثر عليه من الغد، وأوتي به فشدّ وثاقه، وأسرع السلطان اللّحاق بتلمسان، وقد تلقّاه أهلها معلنين بطاعته ولائذين بجناب عفوه، وتنكّبها الجيش المفلول لنظر الأمير أبي ثابت، فاستقرّ بأحواز جزائر بني مزغناي. ودخل السلطان تلمسان في يوم الأحد الحادي عشر من ربيع الأول عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة، وتدامر بنومرين، واستدركوا دحض الوصمة في اتّباع أضدادهم المحروبين، فكان اللقاء بينهم وبين الجيش المفلول، وحكم الله باستئصالهم، فمضى عليهم السيف، وأوتي بزعيمهم الزعيم، فاحتمل مع أخيه في لمّة من أوليائهم، ونفذ الأمر لأقتالهم من بني حرار بأخذ حقهم، فقتل عثمان والزّعيم، رحمهما الله، بخارج تلمسان ذبحا، وألحق بهما عميد الدّولة يحيى بن داود بعد أن استحضر عثمان بين يدي السلطان، وأسمع تأنيبا، حسن عنه جوابه بما دلّ على ثبات وصبر. وانقضى أمر كرّتهم الثانية، وخلت منهم الأوطان، وخلصت لبني مرين الجهة، وصفت العمالة. والله يعطي ملكه من شاء سبحانه لا إله إلّا هو، وكان مقتل عثمان وأخيه في أوائل شهر ربيع الآخر عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة.