أعدائنا وأعدائكم، احرقنا ناحية وحدنا؛ فضحك السلطان والأمراء، وحينئذ تقرّر الأمر على ما ذكر، فندب لاستخراج المال منهم الأمير سيف الدين بلبان المهراني، فاستخلص بعض ذلك في عدّة سنين، وتطاول الحال، فدخل كتّاب الأمراء مع مخادعيهم وتحيّلوا في إبطال ما بقي، فبطل في أيام السعيد «١» بن الظاهر. وكان سبب فعل النصارى لهذا الحريق حنقهم لمّا أخذ الظاهر من الفرنج أرسوف وقيسارية وطرابلس ويافا وأنطاكية. وما زالت الباطلية خرابا، والناس تضرب بحريقها المثل لمن يشرب الماء كثيرا فيقولون: كأنّ في باطنه حريق الباطليّة. ولما عمر الطواشي بهادر المقدّم داره بالباطليّة عمر فيها مواضع بعد سنة خمس وثمانين وسبعمائة.
حارة الروم: قال ابن عبد الظاهر: واختطّت الروم حارتين: حارة الروم الآن وحارة الروم الجوّانية، فلمّا ثقل ذلك عليهم قالوا: الجوّانية لا غير. والورّاقون إلى هذا الوقت يكتبون حارة الروم السفلى وحارة الروم العليا المعروفة اليوم بالجوّانية. وفي سابع عشر ذي الحجّة سنة تسع وتسعين وثلثمائة أمر الخليفة الحاكم بأمر الله بهدم حارة الروم فهدمت ونهبت.
حارة الديلم: عرفت بذلك لنزول الديلم الواصلين مع هفتكين «٢» الشرابي حين قدم ومعه أولاد مولاه معزّ الدولة البويهي وجماعة من الدّيلم والأتراك في سنة ثمان وستّين وثلثمائة، فسكنوا بها فعرفت بهم. وهفتكين هذا يقال له الفتكين أبو منصور التركيّ الشرابيّ غلام معزّ الدولة أحمد بن بويه. ترقّى في الخدم حتّى غلب في بغداد على عزّ الدولة مختار بن معزّ الدولة، وكان فيه شجاعة وثبات في الحرب. فلمّا سارت الأتراك من بغداد لحرب الديلم جرى بينهم قتال عظيم اشتهر فيه هفتكين إلّا أنّ أصحابه انهزموا عنه وصار في طائفة قليلة، فولّى بمن معه من الأتراك وهم نحو الأربعمائة، فسار إلى الرحبة «٣» وأخذ منها على البرّ إلى أن قرب من حوشبة إحدى قرى الشام، وقد وقع في قلوب العربان منه مهابة، فخرج إليه ظالم بن مرهوب «٤» العقيلي من بعلبك، وبعث إلى أبي محمود إبراهيم بن جعفر أمير «٥» دمشق من قبل الخليفة المعزّ لدين الله يعلمه بقدومه هفتكين من بغداد لإقامة الخطبة العباسيّة، وخوّفه منه، فأنفذ إليه عسكرا وسار إلى ناحية حوشبة يريد هفتكين، وسار بشارة الخادم من قبل أبي المعالي بن حمدان عونا لهفتكين فردّ ظالم إلى بعلبك من غير حرب، وسار بشارة بهفتكين إلى حمص، فحمل إليه أبو المعالي وتلقّاه وأكرمه. وكان قد ثار