للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه ونفسه في اتزانها وهدوئها، وعقله في تمام وعيه، ولكنه الهيام والشوق إلى معيشة البادية، والحنين إلى الماضي العتيق:

فذكا الشوق بقلب لم يخن ... لربي نجد وإن شطت ذماما

لم يخن عهدًا لأيام الغضا ... إن أيام الغضا كانت ذماما

ما رياض النيل ما عهدي بها ... ناعم العيش كعهدي بالخزامى

ما ثرى مصر وإن كان الثرى ... كثرى نجد وإن كان رضاما

لا ولا النيل وإن كان الحيا ... كغواديها وإن مرت جهاما

وشاعر هذا خياله البدوي، وهذا ثقافته القديمة لا ينتظر منه أن ينتزع تشبيهاته واستعاراته وألفاظه إلا من تلك البيئة المتبدية، وإلا أن يحاكي الشعراء الأقدمين، ويحاول جهده أن يكون مثلهم في كل شعره، فعاطف بركات حين مات تحمله "نجب الردى".

وهل حملت نجب الردى مثل راحل ... بكته المعالي من بني بركات

وعدلي وزملاؤه في الوزارة "أسد بيشة".

في رفاق هم أسد بيشة بأسًا ... أو هم النجم في سناء ونبل١

وأحمد تيمور حين يموت جبل أشم يصير إلى القبر:

وأرى المكارم يوم أحمد صورت ... فسعت إلى الأجداث وهي سرير

يا حامليه إلى الثرى أرأيتم ... شم الجبال إلى الرجام تصير٢

ويرى الموت يغتال عظماء مصر واحدًا بعد الآخر، فيرمي اليوم قارحًا، وفي الصبح غد جازلًا٣، فرجال مصر في رأيه جمال.

ما للردى في مصر مستأسدًا ... يعدو على أبنائها غائلًا


١ بيشة: مكان على خمس مراحل من مكة جهة اليمن وبها نخل كثير، وفي وادي بيشة موضع مشتجر كثير الأسد.
٢ الرحام: القبور أو الحجارة تنصب عليها.
٣ قرح الفرس: بلغ الخامسة من عمره فهو قارح، ومثله الجمل، والعازل من الإبل ما كان في التاسعة من عمره، ويريد أن الموت يخترم رجال مصر شبانًا وشيبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>