للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصائد التي عارضوا بها السابقين من الشعراء، وقد لوحظ أن شوقي يستطيع إذا دخل في دائرة شعره أن يتخلص من قبضته وسيطرته، وسنرى عند ترجمتنا في هذا الجزء لصبري مقدار ما أخذه من سواهن وكيف أن الابتكار لديه قليل.

والحق أن الابتكار في المعاني نادر، ولكن قد تهيأ لبعض شعرائنا شيء من هذا، ولا سيما مطران وشوقي، وسنرى عند الكلام عليهما إلى أي حد قلدوا، وإلى أي حد جددوا١.

هذا ومن الأمور التي يجب النظر إليها عند تقدير الشعراء، ومعرفة منزلتهم الأدبية بالنسبة لمعاصريهم، ولشعراء لغتهم في القديم والحديث ولشعراء العالم أجمع: مقدار ما وصل إليه خيالهم الشعري.

والخيال: هو وضع الأشياء في علاقات جديدة، وهو سمة من سمات بارزة من سمات الأسلوب الأدبي، لأنه يصور العاطفة أو ينقلها إلى السامع أو القارئ، ويبرز المعاني ويضفي عليها ثوبًا زاهيًا تخطر فيه فنتقبلها ونفهمها. ويلجأ إليه الأديب للإيضاح وحسن العرض وقوة الإبانة والتصوير؛ ويرى القارئ، والسامع الحقائق من ثنايا كل ذلك عن طريق خياله.

والخيال موهبة تنفذ بروح الأديب إلى أسرار الوجود، واكتناء الحقائق المستكنة وراء مظاهر الأشياء وتجعله يحلق طليقًا في أجواء وعوالم جديدة مليئة بالرؤى الجذابة والصور الخلابة والموسيقى الساحرة، وهذه الموهبة تتباين قوة وضعفًا وضيقًا واتساعًا، وغنى وفقرًا لدى الأدباء بحسب قدرتهم على استيعاب أسرار الحياة وهتك حجب المادة، والوصول إلى ينابيع الإلهام، وقدرة نفوسهم على التوليد والتفاعل مع الحياة وانعكاس اشعاعاتها.


١ إذا أردت المزيد من الكلام على المعنى وأثره في الشعر فأرجع إلى الكتب الآتية: الدراسة الأدبية لرئيف خوري، وأصول النقد الأدبي لأحمد الشايب، ونقد الشعر لنسيب عازار.

<<  <  ج: ص:  >  >>