للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت أنظروا إلى هذه الجرأة التي نظر فيها إلى الرحمة ونسي شدة العقاب بانتهاك تلك الحرمة وقد ذكرنا في أول الكتاب هذا أن رجلا زنى بامرأة في الكعبة فمسخا حجرين ولقد دخلوا على أبي نواس في مرض موته فقالوا له تب إلى الله ﷿ فقال إياي تخوفون حدثني حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال رسول الله : "لكل نبي شفاعة وإني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي أفترى لا أكون أنا منهم".

قال المصنف وخطأ هذا الرجل من وجهين أحدهما أنه نظر إلى جانب الرحمة الله ولم ينظر إلى جانب العقاب والثاني أنه نسي أن الرحمة إنما تكون لتائب كما قال ﷿: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾ وقال: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ وهذا التلبيس هو الذي هلك عامة العوام وقد كشفناه في ذكر أهل الإباحة.

فصل: ومن العوام من يقول هؤلاء العلماء يحافظون على الحدود فلان يفعل كذا وفلان يفعل كذا فأمري أنا قريب وكشف هذا التلبيس أن الجاهل والعالم في باب التكليف سواء فغلبة الهوى للعالم لا يكون عذرا للجاهل وبعضهم يقول ما قدر ذنبي حتى أعاقب ومن أنا حتى أواخد وذنبي لا يضرة وطاعتي لا تنفعه وعفوه أعظم من جرمي كما قال قائلهم:

من أنا عند الله حتى إذا … أذنبت لا يغفر لي ذنبي

وهذه حماقة عظيمة كأنهم اعتقدوا أنه لا يؤاخذ إلا ضدا أو ندا ثم ما علموا أنه بالمخالفة قد صاروا في مقام معاند وسمع ابن عقيل رجلا يقول من أنا حتى يعاقبني الله فقال له أنت الذي لو أمات الله جميع الخلائق وبقيت أنت لكان قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ خطابا لك ومنهم من يقول سأتوب وأصلح وكم من ساكن الأمل من أبله فاختطفه الموت قبله وليس من الحزم تعجيل الخطأ وانتظار الصواب وربما لم تتهيأ التوبة وربما لم تصح وربما لم تقبل ثم لو قبلت بقي الحياء من الجنابة أبدا فمرارة خاطر المعصية حتى تذهب أسهل من معاناة التوبة حتى تقبل ومنهم من يتوب ثم ينقض فيلج عليه إبليس بالمكائد لعلمه بضعف عزمه وبإسناد عن الحسن أنه قال إذا نظر إليك الشيطان ورآك على غير طاعة الله تعالى فنعاك وإذا رآك مداوما على طاعة الله ملك ورفضك وإذا رآك مرة هكذا ومرة هكذا طمع فيك.

فصل: ومن تلبيسه عليهم أن يكون لأحدهم نسب معروف فيغتر بنسبه فيقول أنا من أولاد أبو بكر وهذا يقول أنا من أولاد علي وهذا يقول أنا شريف من أولاد الحسن أو

<<  <   >  >>