الخير وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه أمره أن يخرج إلى السوق للكد ويكلفه السؤال والمواظبة على ذلك وإن رأى الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان وإن رأى شره الطعام غالبا عليه ألزمه الصوم وإن رآه عزبا ولم تنكسر شهوته بالصوم أمره أن يفطر ليلة على الماء دون الخبز وليلة على الخبز دون الماء ويمنعه اللحم رأسا.
قلت وأني لأتعجب من أبي حامد كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة وكيف يحل القيام على الرأس طول الليل فينعكس الدم إلى وجهه ويورثه ذلك مرضا شديدا وكيف يحل رمي المال في البحر وقد نهى رسول الله ﷺ عن إضاعة المال وهل يحل سب مسلم بلا سبب وهل يجوز للمسلم أن يستأجر على ذلك وكيف يجوز ركوب البحر زمان اضطرابه وذلك زمان قد سقط فيه الخطاب بأداء الحج وكيف يحل السؤال لمن يقدر أن يكتسب فما أرخص ما باع أبو حامد الغزالي الفقه بالتصوف.
أنبأنا ابن ناصر نا أبو الفضل السهلكي نا أبو علي عبد الله بن إبراهيم النيسابوري ثنا أبو الحسن علي بن جهضم ثنا أبو صالح الدامغاني عن الحسن بن علي الدامغاني قال كانرجل من أهل بسطام لا ينقطع عن جلس أبي يزيد لا يفارقه فقال له ذات يوم يا أستاذ أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر وأقوم الليل وقد تركت الشهوات ولست أجد في قلبي من هذا الذي نذكره شيئا البتة فقال له أبو يزيد لو صمت ثلاثمائة سنة وقمت ثلاثمائة سنة وأنت على ما أراك لا تجد من هذا العلم زرة قال ولم يا أستاذ قال لأنك محجوب بنفسك فقال له أفلهذا دواء حتى ينكشف هذا الحجاب قال نعم ولكنك لم تقبل قال بلى أقبل واعمل ما تقول قال أبو يزيد أذهب الساعة إلى الحجام وأحلق رأسك ولحيتك وأنزع عنك هذا اللباس وابرز بعباءة وعلق في عنقك مخلاة واملأها جوزا وأجمع حولك صبيانا وقل بأعلا صوتك يا صبيان من يصفعني صفعة أعطيته جوزة وادخل إلى سوقك الذي تعظم فيه فقال يا أبا يزيد سبحان الله تقول لي مثل هذا ويحسن أن أفعل هذا فقال أبو يزيد قولك سبحان الله شرك قال وكيف قال لأنك عظمت نفسك فسبحتها فقال يا أبا يزيد هذا ليس أقدر عليه ولا أفعله ولكن دلني على غيره حتى أفعله فقال أبو يزيد ابتدر هذا قبل كل شيء حتى تسقط جاهك وتذل نفسك ثم بعد ذلك أعرفك ما يصلح لك قال لا أطيق هذا قال إنك لا تقبل.