الأوامر من المقدر فالذي قدر هو الذي أمر وقد قال تعالى: ﴿وَخُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ أنبأنا إسماعيل بن أحمد نا عاصم بن الحسين نا ابن بشران ثنا أبو صفوان نا أبو بكر القرشي ثني شريح بن يونس نا علي بن ثابت عن خطاب بن القاسم عن أبي عثمان قال كان عيسى ﵇ يصلي على رأس جبل فأتاه إبليس فقال أنت الذي تزعم أن كل شيء بقضاء وقدر قال نعم قال فألق نفسك من الجبل وقل قدر علي فقال يا لعين الله يختبر العباد وليس للعباد أن يختبروا الله تعالى.
فصل: وفي معنى ما ذكرنا من تلبيسه عليهم في ترك الأسباب أنه قد لبس على خلق كثير منهم بأن التوكل ينافي الكسب أخبرنا محمد بن أبي القاسم نا حمد بن أحمد نا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت محمد بن المنذر يقول سمعت سهل بن عبد الله التستري يقول من طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان ومن طعن على الكسب فقد طعن على السنة.
أخبرنا محمد بن ناصر نا أحمد بن علي بن خلف نا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول سأل رجل أبا عبد الله بن سالم وأنا أسمع أنحن مستعبدون بالكسب أم بالتوكل فقال التوكل حال رسول الله ﷺ والكسب سنة رسول الله ﷺ وإنما سن الكسب لمن ضعف عن التوكل وسقط عن درجة الكمال التي هي حاله فمن أطاق التوكل فالكسب غير مباح له بحال إلا كسب معاونة لا كسب اعتماد عليه ومن ضعف عن حال التوكل التي هي
حال رسول الله ﷺ أبيح له طلب المعاش في الكسب لئلا يسقط عن درجة سنته حين سقط عن درجة حاله.
أنبأنا عبد المنعم بن عبد الكريم نا أبي قال سمعت محمد بن الحسين قال سمعت أبا القاسم الرازي يقول سمعت يوسف بن الحسين قال إذا رأيت المريد يشتغل بالرخص والكسب فليس يجيء منه شيء.
قال المصنف ﵀: قلت هذا كلام قوم ما فهموا معنى التوكل وظنوا أنه ترك الكسب وتعطيل الجوارح عن العمل وقد بينا أن التوكل فعل القلب فلا ينافي حركة الجوارح ولو كان كل كاسب ليس بمتوكل لكان الأنبياء غير متوكلين فقد كان آدم ﵇ حراثا ونوح وزكريا نجارين وإدريس خياطا وإبراهيم ولوط زراعين وصالح تاجرا وكان سليمان يعمل الخوص وداود يصنع الدرع ويأكل من ثمنه وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة صلوات الله عليهم أجمعين.