للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من نظر في الأسباب والنتائج وتأمل المقاصد فإن النظر إلى الأمرد مباح إن أمن ثوران الشهوة فإن لم يؤمن لم يجز وتقبيل الصبية التي لها من العمر ثلاث سنين جائزا إذ لا شهوة تقع هناك في الأغلب فإن وجد شهوة حرم ذلك وكذلك الخلوة بذوات المحارم فإن خيف من ذلك حرم فتأمل هذه القاعدة.

فصل: قال المصنف : وقد تكلم الناس في الغناء فأطالوا فمنهم من حرمه ومنهم من أباحه من غير كراهة ومنهم من كرهه مع الإباحة وفصل الخطاب أن نقول ينبغي أن ينظر في ماهية الشيء ثم يطلق عليه التحريم أو الكراهة أو غير ذلك والغناء اسم يطلق على أشياء منها غناء الحجيج في الطرقات فإن أقواما من الأعاجم يقدمون للحج فينشدون في الطرقات أشعارا يصفون فيها الكعبة وزمزم والمقام وربما ضربوا مع إنشادهم بطبل فسماع تلك الأشعار مباح وليس إنشادهم إياها مما يطرب ويخرج عن الاعتدال وفي معنى هؤلاء الغزاة فإنهم ينشدون أشعارا يحرضون بها على الغزو وفي معنى هذا إنشاد المبارزين للقتال للأشعار تفاخرا عند النزال وفي معنى هذا أشعار الحداة في طريق مكة كقول قائلهم:

بشرها دليلها وقالا … غدا ترين الطلح والجبالا

وهذا يحرك الإبل والآدمي إلا أن ذلك التحريك لا يوجب الطرب المخرج عن حد الاعتدال وأصل الحداء ما أنبأنا به يحيى بن الحسن بن البنا نا أبو جعفر بن المسلمة نا المخلص نا أحمد بن سليمان الطوسي ثنا الزبير بن بكار ثني إبراهيم بن المنذر ثنا أبو البحتري وهب عن طلحة المكي عن بعض علمائهم أن رسول الله مال ذات ليلة بطريق مكة إلى حاد مع قوم فسلم عليهم فقال إن حادينا نام (١) فسمعنا حاديكم فملت إليكم فهل تدرون أنى كان الحداء قالوا لا والله قال إن أباهم مضر خرج إلى بعض رعاته فوجد إبله قد تفرقت فأخذ عصا فضرب بها كف غلامه فعدا الغلام في الوادي وهو يصيح يا يداه يا يداه (٢) فسمعت الإبل ذلك فعطفت عليه فقال مضر لو اشتق مثل هذا لانتفعت به الإبل واجتمعت فاشتقت الحداء.

قال المصنف وقد كان لرسول الله حاد يقال له أنجشة يحدو فتعنق (٣) الابل.


(١) في النسخة الثانية: أن حادينا ونا أي تعب.
(٢) في النسخة الثانية: وايداه مرة فقط.
(٣) العنق بفتحتين: نوع من السير سريع فسيح.

<<  <   >  >>