للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخبرنا القزاز قال أخبرنا الخطيب قال أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال أنبأنا جعفر الخلدي في كتابه قال سمعت الجنيد يقول دققت على أبي يعقوب الزيات بابه في جماعة من أصحابنا فقال ما كان لكم شغل في الله ﷿ يشغلكم عن المجيء إلي فقلت له إذا كان مجيئا إليك من شغلنا به فلم ننقطع عنه فسألته عن مسألة في التوكل فأخرج درهما كان عنده ثم أجابني فأعطى التوكل حقه ثم قال استحييت من الله أن أجيبك وعندي شيء.

قال المصنف: لو فهم هؤلاء معنى التوكل وأنه ثقة القلب بالله ﷿ لا إخراج صور المال ما قال هؤلاء هذا الكلام ولكن قل فهمهم وقد كان سادات الصحابة والتابعين يتجرون ويجمعون الأموال وما قال مثل هذا أحد منهم وقد روينا عن أبي بكر الصديق قال حين أمر بترك الكسب لأجل شغله بالخلافة فمن أين أطعم عيالي وهذا القول منكر عند الصوفية يخرجون قائله من التوكل وكذلك ينكرون على من قال هذا الطعام يضرني وقد رووا في ذلك حكاية عن أبي طالب الرازي قال حضرت مع أصحابنا في موضع فقدموا اللبن وقال لي كل فقلت لا آكله فانه يضرني فلما كان بعد أربعين سنة صليت يوما خلف المقام ودعوت الله ﷿ وقلت اللهم إنك تعلم أني ما أشركت بك طرفة عين فسمعت هاتفا يهتف بي ويقول ولا يوم اللبن.

قال المصنف: وهذه الحكاية الله أعلم بصحتها واعلم أن من يقول هذا يضرني لا يريد أن يفعل ذلك الضرر بنفسه وإنما يريد أنه سبب الضرر كما قال الخليل صلوات الله وسلامه عليه ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ﴾ وقد صح عن رسول الله أنه قال: "ما نفعني مال كمال أبي بكر" وقوله ما نفعي مقابل لقول القائل ما ضرني ويصح عنه أنه قال: "ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أو أن قطعت أبهري (١) " وقد ثبت أنه لا رتبة أولى من رتبة النبوة وقد نسب النفع إلى المال والضرر إلى الطعام فالتحاشي عن سلوك طريقه تعاط على الشريعة فلا يلتفت إلى هذيان من هذى في مثل هذا.

فصل: قال المصنف: وقد بينا أنه كان أوائل الصوفية يخرجون من أموالهم زهدا فيها وذكرنا أنهم قصدوا بذلك الخير إلا أنهم غلطوا في هذا الفعل كما ذكرناه من مخالفتهم بذلك


(١) الأبهر عرق في الظهر فإذا انقطع لم تبق معه حياة وتعادني بالدال المشددة تأتيني المرة بعد المرة.

<<  <   >  >>