ملكشاه وكان يستحفظها متهما بمذهب القوم فأخذ ألفا ومائتي دينار وسلم إليهم القلعة في سنة ثلاث وثمانين في أيام ملكشاه وكان مقدمها الحسن بن الصباح وأصله من مرو وكان كاتبا للرئيس عبد الرازق بن بهرام إذ كان صبيا ثم إلى مصر وتلقى من دعاتهم المذاهب وعاد داعية القوم ورأسا فيهم وحصلت له هذه القلعة وكانت سيرته في دعاته ألا يدعوا إلا غبيا لا يفرق بين يمينه وشماله مثلا ومن لا يعرف أمور الدنيا ويطعمه الجوز والعسل والشونيز حتى ينبسط دماغه ثم يذكر له حينئذ ما تم على أهل بيت المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعليهم من الظلم والعدوان حتى يستقر ذلك في نفسه ثم يقول إذا كانت الأزارقة والخوارج سمحوا بنفوسهم في قتال بني أمية فما سبب بخلك بنفسك في نصرة إمامك فيتركه بهذه المقالة طعمة للسيف وكان ملكشاه قد أرسل إلى ابن الصباح يدعوه إلى الطاعة ويتهدده أن خالفه ويأمره بالكف عن بث أصحابه لقتل العلماء والأمراء فقال في جواب الرسالة والرسول حاضر الجواب ما تراه ثم قال لجماعة وقوف بين يديه أريد أن أنقذكم إلى مولاكم في حاجة فمن ينهض لها باشرأب كل منهم لذلك فظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم فأومأ إلى شاب منهم فقال له أقتل نفسك فجذب سكينة وضرب بها غلصمته (١) فخر ميتا وقال لآخر إرم نفسك من القلعة فألقى نفسه فتمزق ثم التفت إلى رسول السلطان فقال أخبره أن عندي من هؤلاء عشرين ألفا هذا حد طاعتهم لي وهذا هو الجواب فعاد الرسول إلى السلطان ملكشاه فأخبره بما رأى فعجب من ذلك وترك كلامهم وصارت بأيديهم قلاع كثيرة ثم قتلوا جماعة من الأمراء والوزراء قال المصنف وقد ذكرنا من صفة القوم في التاريخ أحوالا عجيبة فلم نر التطويل بها هنا.
فصل: وكم من زنديق في قلبه حقد على الإسلام خرج فبالغ واجتهد فزخرف دعاوي يلقي بها من يصحبه وكان غور مقصده في الاعتقاد الانسلال من ربقة الدين وفي العمل نيل الملذات واستباحة المحظورات فمنهم بابك الخرمي حصل له مقصوده من اللذات ولكن بعد أن قتل الناس وبالغ في الأذى ثم القرامطة وصاحب الزنج الذي خرج فاستغوى المماليك السودان ووعدهم الملك فنهب وفتك وقتل وبالغ وكانت عواقبهم في الدنيا أقبح العواقب فما وفي ما نالوا بما نيل منهم ومنهم من لم يبرح على تعثيره ففاتته الدنيا والآخرة مثل ابن الراوندي والمعري أنبأنا محمد بن أبي طاهر عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال كان ابن
(١) الغلصمة: رأس الحلقوم وهو الموضع الناتئ في الحلق والجمع غلاصم.