للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّجْرِيدُ.

وَهُوَ أَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّ فِي الشَّيْءِ مِنْ نَفْسِهِ مَعْنًى آخَرَ كَأَنَّهُ مُبَايِنٌ لَهُ فَتُخْرِجَ ذَلِكَ إِلَى أَلْفَاظِهِ بِمَا اعْتَقَدْتَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ لَئِنْ لَقِيتَ زَيْدًا لَتَلْقَيَنَّ مَعَهُ الْأَسَدَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُ لَتَسْأَلَنَّ مِنْهُ الْبَحْرَ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ فِيهِ مِنْ نَفْسِهِ أَسَدًا وَبَحْرًا وَهُوَ عَيْنُهُ هُوَ الْأَسَدُ وَالْبَحْرُ لَا أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لأولي الألباب} ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ فِي الْعَالَمِ مِنْ نَفْسِهِ آيَاتٍ وَهُوَ عَيْنُهُ وَنَفْسُهُ تِلْكَ الْآيَاتُ.

وَكَقَوْلِهِ تعالى: {واعلم أن الله عزيز حكيم} ، وَإِنَّمَا هَذَا نَابَ عَنْ قَوْلِهِ: وَاعْلَمْ أَنِّي عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذلك لذكرى لمن كان له قلب} .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أسوة حسنة} .

وقوله: {لهم فيها دار الخلد} ، لَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ الْجَنَّةَ فِيهَا دَارُ خُلْدٍ وَغَيْرُ دَارِ خُلْدٍ بَلْ كُلُّهَا دَارُ خُلْدٍ فَكَأَنَّكَ لَمَّا قُلْتَ: فِي الْجَنَّةِ دَارُ الْخُلْدِ اعْتَقَدْتَ أَنَّ الْجَنَّةَ مُنْطَوِيَةٌ عَلَى دَارِ نَعِيمٍ وَدَارِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَخُلْدٍ فَجَرَّدْتَ مِنْهَا هَذَا الْوَاحِدَ كَقَوْلِهِ:

وَفِي اللَّهِ إِنْ لَمْ تُنْصِفُوا حُكْمٌ عَدْلُ

وَقَوْلُهُ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الحي} ، على أحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>