أَيْضًا، فَإِذَا وَجَدْنَا الْمَظِنَّةَ اعْتَبَرْنَاهَا كَانَتْ قَطْعِيَّةً أَوْ ظَنِّيَّةً، فَإِنَّ الشَّارِعَ قَدْ أَجْرَى الظَّنَّ فِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ مَجْرَى الْقَطْعِ، فَمَتَى ظُنَّ وُجُودُ سَبَبِ الْحُكْمِ اسْتَحَقَّ السَّبَبُ لِلِاعْتِبَارِ؛ فَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ عَلَى أَنَّ الدَّلَائِلَ الظَّنِّيَّةَ تَجْرِي فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ مَجْرَى الدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ.
وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الْقَاطِعَ إِذَا عَارَضَ الظَّنَّ سَقَطَ اعْتِبَارُ الظَّنِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي بَابِ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَحَدُهُمَا رَافِعًا لِحُكْمِ الْآخَرِ جُمْلَةً، أَمَّا إِذَا كَانَا جَارِيَيْنِ مَجْرَى الْعَامِّ مَعَ الْخَاصِّ، أَوِ الْمُطْلَقِ مَعَ الْمُقَيَّدِ؛ فَلَا، وَمَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الثَّانِي لَا مِنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَزَائِمَ وَاقِعَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِشَرْطِ أَنْ لَا حَرَجَ، فَإِنْ كَانَ الْحَرَجُ؛ صَحَّ اعْتِبَارُهُ وَاقْتَضَى الْعَمَلَ بِالرُّخْصَةِ.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ قَدْ تَنْسَخُ حُكْمَ الْقَطْعِ السَّابِقِ، كَمَا إِذَا كَانَ الْأَصْلُ التَّحْرِيمَ فِي الشَّيْءِ، ثُمَّ طَرَأَ سَبَبٌ مُحَلِّلٌ ظَنِّيٌّ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ أَنَّ مَوْتَ الصَّيْدِ بِسَبَبِ ضَرْبِ الصَّائِدِ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِهِ أَوْ يُعِينَ عَلَى مَوْتِهِ غَيْرَهُ؛ فَالْعَمَلُ عَلَى مُقْتَضَى الظَّنِّ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا؛ فَاسْتِصْحَابُهُ مَعَ هَذَا الْمُعَارِضِ الظَّنِّيِّ لَا يُمْكِنُ؛ إِذْ لَا يَصِحُّ بَقَاءُ الْقَطْعِ بِالتَّحْرِيمِ مَعَ وُجُودِ الظَّنِّ هُنَا، بَلْ مَعَ الشَّكِّ؛ فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ لَا تُبْقِي لِلْقَطْعِ الْمُتَقَدِّمِ حُكْمًا، وَغَلَبَاتُ الظُّنُونِ مُعْتَبِرَةٌ؛ فَلْتَكُنْ مُعْتَبِرَةً فِي التَّرَخُّصِ.
وَالثَّانِي ١:
إِنَّ أَصْلَ الرُّخْصَةِ وَإِنْ كَانَ جُزْئِيًّا بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَزِيمَتِهَا؛
١ معارض للوجه الثاني في ترجيح العزيمة، وهو أيضا إنما يفيد أنه لا ترجح للعزيمة. "د".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute