للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَظْهَرْ مِنَ الشَّارِعِ خُرُوجُهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ بِدَعِهِمْ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا فِي غِمَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَارْتَسَمُوا فِي مَرَاسِمِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهُمْ بِحَسَبِ ظَاهِرِ الْحَالِ، وَكَانَ الشَّارِعُ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ قَدْ أَشَارَ إِلَى عَدَمِ تَعْيِينِهِمْ، وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا إِلَّا بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِهِمْ، وَمَدَارِكُ الِاجْتِهَادِ تَخْتَلِفُ، لَمْ يُمْكِنْ١ وَالْحَالُ هَذِهِ إِلَّا حِكَايَةُ أَقْوَالِهِمْ، وَالِاعْتِدَادُ بِتَسْطِيرِهَا وَالنَّظَرُ فِيهَا، وَاعْتِبَارُهُمْ فِي الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ لِيَسْتَمِرَّ النَّظَرُ فِيهِ، وَإِلَّا أَدَّى إِلَى عَدَمِ الضَّبْطِ٢، وَلِهَذَا تَقْرِيرٌ٣ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ، نُقِلَ خِلَافُهُمْ.

وَفِي الْحَقِيقَةِ، فَمِنْ جِهَةِ مَا اتَّفَقُوا فِيهِ مَعَ أَهْلِ الْحَقِّ حَصَلَ التَّآلُفُ، وَمِنْ جِهَةِ مَا اخْتَلَفُوا حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَجِهَةُ الِائْتِلَافِ لَا خِلَافَ فِيهَا فِي الْحَقِيقَةِ لِصِحَّتِهَا وَاتِّحَادِ حُكْمِهَا، وَجِهَةُ الِاخْتِلَافِ هُمْ٤ مُخْطِئُونَ فِيهَا قَطْعًا، فَصَارَتْ أَقْوَالُهُمْ زَلَّاتٍ لَا اعتبار بها في الخلاف، فالاتفاق حاصل إذن عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.

فَالْحَاصِلُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ مُتَّحِدَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ لِبُسِطَ هَذَا الْمَوْضِعُ بِأَدِلَّتِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ وَأَمْثِلَتِهِ الشَّافِيَةِ، وَلَكِنْ مَا ذُكِرَ فِيهَا كافٍ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.


١ في الأصل: "يكن".
٢ أي: وعدم تميز حقهم من باطلهم، فيرد كل ما ينسب إليهم ولو كان حقًا، وذلك لا يصح. "د".
٣ فقد اختلفوا: هل يشترط عدالة المجمعين، أم لا؟ والحنفية تشترط، وعليه يبتنى شرط عدم البدعة، إذا لم يكفر بها كالخوارج، والحنفية قالوا: يشترط عدم بدعته إذا دعا إليها، فإن لم يدع إليها، كان قوله في غير بدعته معتبرًا في انعقاد الإجماع. "د". قلت: انظر "ص٢٧٥ والتعليق عليها".
٤ كذا في "ط"، وفي غيره: "فهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>