للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَرَأَوْا أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا فِي الْكِتَابِ لَا يُقَدَّمُ١ عَلَى كُلِّ السُّنَّةِ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ لَا تَضْعُفُ فِي الدَّلَالَةِ عَنْ أَدِلَّةِ الْكِتَابِ، وَأَخْبَارَ الْآحَادِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ مَعَ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ٢، وَتَأَوَّلُوا التَّقْدِيمَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى الْبِدَايَةِ بِالْأَسْهَلِ الْأَقْرَبِ٣، وَهُوَ الْكِتَابُ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا؛ فَلَا وَجْهَ لِإِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الْكِتَابِ، بَلِ الْمُتَّبَعُ الدَّلِيلُ٤.

فَالْجَوَابُ: إِنَّ قَضَاءَ السُّنَّةِ عَلَى الْكِتَابِ لَيْسَ بِمَعْنَى تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ وَاطِّرَاحِ الْكِتَابِ، بَلْ إِنَّ ذَلِكَ الْمُعَبَّرَ فِي٥ السُّنَّةِ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْكِتَابِ؛ فَكَأَنَّ السُّنَّةَ بِمَنْزِلَةِ التَّفْسِيرِ وَالشَّرْحِ لِمَعَانِي أَحْكَامِ الْكِتَابِ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النَّحْلِ: ٤٤] ، فَإِذَا حَصَلَ بَيَانُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [الْمَائِدَةِ: ٣٨] بِأَنَّ الْقَطْعَ مِنَ الْكُوعِ، وَأَنَّ الْمَسْرُوقَ نِصَابٌ فَأَكْثَرُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ؛ فَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ، لَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ السُّنَّةَ أَثْبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامَ دُونَ الْكِتَابِ، كَمَا إِذَا بَيَّنَ لنا مالك أو غيره من المفسرين


١ فإن قطعي السند والدلالة من السنة يقدم على ظاهر الكتاب؛ فقول: "لا تضعف" أي: بل قد تقدم كما ذكرنا، وقد يحصل التعارض إذا تساويا في قطعية السند والدلالة، ولذلك قالوا: إنه لم يبق من صور التعارض بينهما ما يرجح فيه الكتاب لسنده؛ إلا ما كان ظني الدلالة منه مع قطعي الدلالة منها مع ظنية ضدها. "د".
٢ أي: في تقديم الكتاب عليهما أو تقديمها عليه أو تعارضهما. "د".
٣ أي: تناولًا. "د".
٤ أي: ما يتعين للدلالة منهما بطريق من طرق الترجيح المذكورة في بابه. "د".
٥ في "ط": "بل على إن ذلك المفسر".

<<  <  ج: ص:  >  >>