للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إِنْ زَوَّجَهُما الأبُ أوِ الجَدُّ لَزِمَ، وَفي غَيْرِهِمَا فَسَخَ الصَّغِيرَانِ حِينَ بَلَغَا، أوْ عَلِمَا بِالنِّكَاحِ بَعْدَهُ.

===

اليتامى، وإنما يتحقق هذا الكلام إذا جاز نكاح اليتيمة، وقد نُقِل عن عائشة في تأويل الآية أنها أُنزلت في يتيمة تكون في حِجْرِ وَلِيِّها، يرغب في مالها وجمالها، ولا يُقْسِط في صَدَاقها، فَنُهُوا عن نكاحهن حتى يبلغوا بهن أعلى سُنَّتِهِنَّ في الصَّدَاق (١) . وقالت في تأويل قوله تعالى: {في يَتَامَى النِّسَاءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} (٢) : إنما نَزَلَتْ في يتيمةٍ تكون في حِجر وَلِيِّها، ولا يرغبُ في نكاحها لِدَمَامَتِها (٣) ، ولا يُزَوِّجُها من غيره لئلا يُشارِكَه في مالها، فأنزل الله هذه الآية، فأمر الأولياء بتزوُّج اليتامى أو بتزويجهن من غيرهم، وذلك دليل جواز تزويج اليتيمة، وقد زوج

رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنةَ عمه حمزةَ من عمر بن أبي سلمة، وهي صغيرة، وقال: «لها الخيارُ إذا بلغت» (٤) ، وقد رُوي عن علي موقوفاً ومرفوعاً: «الإنكاحُ إلى العَصَبات» (٥) . والآثار في ذلك مشهورة عن عمر، وعليّ، وابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة.

(ثم إنْ زَوَّجَهُما) أي الصغيرَ والصغيرةَ (الأبُ أوِ الجَدُّ لَزِمَ) لأنهما كَامِلَا الرَّأْيِ والشفقة، فيلزم عقدهما على الصغيرين، كما إذا باشراه برضاهما بعد البلوغ.

(وَفي غَيْرِهِمَا) أي غير الأبِ والجد من الأولياء، ولو كان إماماً أو قاضياً، وعند مالك والشافعي وأحمد في غير الأب (فَسَخَ الصَّغِيرَانِ حِينَ بَلَغَا) إن أرادا (أوْ) حين (عَلِمَا بِالنِّكَاحِ بَعْدَهُ) أي بعد البلوغ، لأن العقدَ صدر ممن هو قاصرُ الرأيِ كالأم، أو الشفقةِ كالقاضي، فيثبت لهما الخيار إذا مَلَكَا أنفسَهما، كالأَمة المُزَوَّجة إذا أُعْتِقَتْ وعَلِمَتْ بالزواج.

ولو فُسِخَ النكاحُ بخيار البلوغ، فإن كان قبل الدخول فلا شيء للمرأة، وإن كان بعده فلها المهر كاملاً، ولا يكون طلاقاً، لأنه يَصِحّ من الأُنثى ولا طلاق إليها. ثم هذا عند أبي حنيفة ومحمد، وهو قول أبي يوسف في الأول، وهو قول ابن عمر وأبي


(١) في المطبوعة: على سنتهن في الصداقات، والتصويب من المخطوطة وصحيح البخاري (فتح الباري) ٨/ ٢٣٩، كتاب التفسير (٦٥) سورة النساء (٤)، باب {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} (١)، حديث رقم (٤٥٧٤).
(٢) سورة النساء، الآية: (١٢٧).
(٣) الدميم: القبيح. مختار الصحاح ص ٨٨، مادة (دمم).
(٤) لم نجده.
(٥) قال ابن حجر في ""الدِّراية" ٢/ ٦٢: لم أجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>