للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس جميعا من سبب وصلة، فأصبحت وأنت في دار الأنس والاجتماع وبين ضوضاء الحياة وضجيجها كأنك تعيش من وحشتك وكآبتك في مدينة متحجرة من مدن التاريخ القديم, لا تأنس فيها بأحد ولا يأنس بك فيها أحد، ولا ترى بين يديك إلا نصبا مائلة وتماثيل جامدة:

تحسب العين أنهم جد أحياء ... لهم بينهم إشارة خرس

ولا يرفه عن نفسك في ساعة من ساعات ضيقك وضجرك نغمة غناء، ولا رنة حداء، ولا خرير نهر، ولا تغريد طير، ولا حفيف شجر، ولا زفيف ريح، ولا ثغاء شاة، ولا نقيق ضفدع، ولا صرير جندب، سواء لديك ليلك ونهارك، وصبحك ومساؤك، ويقظتك ومنامك، فإن فررت من وحشتك هذه إلى مجتمع من مجتمعات العامة, فجلست إلى الناس ساعة تتفرج١ فيها مما بك لا تسمع شيئا مما يقولون ولا يعنيهم أن يسمعوا شيئا مما تقول، فإن قلبت نظرك في وجوههم لتتسقط حرفا أو كلمة من حركات شفاههم أو إشارات أيديهم أنكروا عليك نظراتك وسخروا منك في أنفسهم، لا بل ربما صارحوك بكلمتهم التي يضمرونها في أنفسهم من حيث لا تعلم، فإن رأوا منك ذلك ورأوا أنك تقتضب


١ طلب الفرجة والراحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>