للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل معاداة اليهود والنصارى والمشركين، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك، ثم تجد كثيرا من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين، وإن كانوا قد يتوبون من ذلك أو يعودون ... إلى أن قال: وبلغ من ذلك أن منهم من يصنفون في دين المشركين والردة عن الإسلام كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب، وأقام الأدلة على حسن ذلك ومنفعته، ورغب فيه،١ وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين، وإن كان قد يكون تاب عنه وعاد إلى الإسلام. انتهى.

فانظر إلى تفريقه بين المقالات الخفية والأمور الظاهرة، فقال في المقالات الخفية التي هي كفر قد يقال: إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة.

فكلامه ظاهر في الفرق بين الأمور الظاهرة والخفية، فيكفر بالأمور الظاهر حكمها مطلقا، وبما يصدر منها من مسلم جهلا، كاستحلال محرم، أو فعل، أو قول شركي بعد التعريف، ولا يكفر بالأمور الخفية جهلا كالجهل ببعض الصفات فلا يكفر الجاهل بها مطلقا٢ وإن كان داعية، كقوله للجهمية: أنتم عندي لا تكفرون


١ في طبقات السبكي إنكار نسبة هذا الكتاب إليه.
٢ الأقسام التي ذكرها ثلاثة "الأول": ما يكفر به مطلقا ولا يعذر بجهله، وهو ما عبر بالأمور الظاهر حكمها، وعبر عنه المحققون بالأمور المعلومة من الدين بالضرورة المجمع عليها، واستثنوا من عموم الإطلاق قريب العهد بالإسلام، ومن نشأ بعيدا عن المسلمين الذين يمكنه التعلم منهم، ومنه أن تقنع رجلا كافرا في بلاد الكفر بتوحيد الله ورسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- وما جاء به من البعث والجزاء. ويموت قبل أن تتمكن من تعليمه شرائع الإسلام، أو تعلمه بعضها كالصلاة والصيام دون بعض، وتتركه، وتسافر من بلاده، فهو يعذر بجهل ما لم يعلمه من الضروريات الأخرى إلى أن تتمكن من تعلمها إن علم أن هنالك أمورا أخرى لا بد له من العلم والإيمان بها. "الثاني"هـ: ما لا يكفر بجهله مطلقا، وهو الأمور الخفية من الدين، ويقال باصطلاح جمهور العلماء هي ما ليس مجمعا عليه ولا معلوما من الدين بالضرورة كالمسائل التي اختلف فيها أئمة المسلمين من تفويض وتأويل. "الثالث": ما لا يكفر به إذا فعله جاهلا إلا بعد إعلامه بحكم الله فيه، وهو المجمع عليه مما يجب عليه وجوبا عينيا بنص قطعي، وتعرض فيه الشبهة وسوء الفهم كمسألة استحلال الخمر المتقدمة، ومسألة الأعرابي الذي فهم من الخيط الأبيض والخيط الأسود في آية الصيام ظاهر اللفظ، فأعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المراد بهما الليل والنهار، وهنالك قسم رابع وهو المسائل الاجتهادية التي ليس فيها نص قطعي الرواية والدلالة. فهذه يعذر فيها كل مجتهد باجتهاده.

<<  <   >  >>