غافلة عن حقيقتها، ويحجبها الفريق اللامع المصنوع بكثير من المهارة عن النظرة النافذة العميقة التي تقومها التقويم الصحيح.
٤- وليس يعرف في تاريخ الأمم -ماضيها وحاضرها- أن واحدة منها أهملت في نشر ثقافتها، أو تركتها تذوب في ثقافة غيرها، أو تتلاشى في عقول أبنائها؛ لتحل محلها ثقافات أخرى طارئة غريبة..؛ ذلك أن الثقافة -في حقيقتها- هي الصورة الحية للأمة؛ فهي التي تحدد ملامح شخصيتها وقوام وجودها، وهي التي تضبط سيرها في الحياة، وتحدد اتجاهها فيها. إنها عقيدتها التي تؤمن بها، ومبادؤها التي تحرص عليها، ونظمها التي تعمل على التزامها، وتراثها الذي تخشى عليه الضياع والاندثار، وفكرها الذي تود له الذيوع والانتشار..؛ فإذا اهتزت هذه الصورة، أو اضطربت ملامحها، أو طمسها الركام المتكاثف فوقها؛ لم يكن للأمة -بسبب ذلك- شخصية تميزها، أو سمات تنفرد بها؛ بل تصبح تبعًا لغيرها، حتى تنتهي إلى الاضمحلال، وتؤول إلى الزوال، وتلك هي الكارثة التي تخشى كل أمة حية أن تحل بها، فتمحق وجودها، وتطمس حياتها.