للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُسْلِمُونَ، أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ١.

وهكذا يتضح أن الرسل جمعيًا جاءوا برسالة واحدة هي عبادة الله وحده بلا شريك، وهي الإسلام في معناه العام، وعلى أساس هذا كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط مسلمين.

وتبعًا لهذه الحقيقة الكلية يؤمن المسلمون بالرسل جميعًا، ولا يفرقون بينهم، ولا يكرهون دياناتهم، ولا أتباع هذه الديانات، وكل ما يطلبونه منهم أن يؤمنوا هم كذلك بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- مصدقًا لما بين أيديهم، فإن لم يستجيبوا، فهم وما يشاءون، وليدعوا المسلمين آمنين يبلغون دعوتهم للعالمين.

والإسلام تبعًا لفكرته عن هذه الديانات المختلفة، وتمشيًا مع نزعته العالمية، لا يبت الصلة بينه وبين من لا يؤمنون به ما داموا لا يحاربونه، ولا يمنعون دعوته أن تبلغ الناس، ولا يفسدون في الأرض ولا يعتدون على الضعفاء، بل يفسح للداخلين في سلطانه مجال الحياة كاملاً، ويفسح لمن لا سلطان عليهم مجال التعاون العالمي في الخير والصلاح٢.

وبهذا يتبيَّن أن المجتمع الذي يصوغه الإسلام، هو المجتمع الذي يقوم على وحدة الأصل ووحدة العقيدة، وما ينبثق من هذه الوحدة من المبادئ السامية والغايات النبيلة، والأخلاق الفاضلة، والضوابط المحكمة، والروابط الوثيقة، التي تجعل من هذا المجتمع الإنساني الكبير


١ البقرة: "١٣٠-١٣٣".
٢ انظر "نحو مجتمع إسلامي" تأليف: سيد قطب. ص١١١ وما بعدها.

<<  <   >  >>