ج- أما حكمة الله تبارك وتعالى في اختيار القبلة التي كانوا عليها، ثم جاء الأمر بالتحول عنها، فقد كانت اختبارًا للمؤمنين، يظهر به صدق الصادقين وريب المرتابين. وكانت تربيةً عظيمة لهذه الجماعة التي أراد الله لها أن تخلص في عبادتها وصدق اتجاهها، وأن تتخلص من رواسب الجاهلية ووشائجها، وإنه لامتحان عظيم لا يثبت عليه إلا الذين تشبعوا بالإيمان واطمأنت نفوسهم به، وإنها لتربية مثلى على احتمال التبعة، والقيام بأعباء القيادة على أمتن الأسس في الإخلاص والطاعة والتجرد، ومن حكمته سبحانه ورحمته بعباده أنه لم يكن ليضيع ثواب إيمان المسلمين الباعث لهم على اتباع الرسول في الصلاة وفي القبلة، فلو كان تحويل القبلة مما يضيع الإيمان بتفويت ثواب كان قبله لما حوّلها، وفي ذلك بشرى للمؤمنين المتبعين للرسول بأن الله يجزيهم الجزاء الأوفى، وهم أولى الناس برحمته ورأفته.