وبين الشيطان فإذاً يسلط عليه ويستحوذ عليه فيهلكه، ولما كان أهل ذلك الزمان الذي فيه ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر وكانوا معتنين بالدين والعلم النافع فتنهم الله بموت هؤلاء العلماء الصالحين في أزمنة متقاربة بعضها من بعض فلما هلكوا حزنوا عليهم حزناً شديداً لما رأوا من ذهاب علمائهم وصلحائهم الذين بذهابهم يذهب العلم المتواخذ بينهم فحينئذ اغتنم الشيطان الفرصة وأتاهم وأوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها حالة التعليم والتذكير أنصاباً على صورهم المعلومة عندكم وسموها بأسمائهم التي كانوا يسمون بها ففعلوا فلم يعبدوا الصور لقرب عهدهم بالمعاني الشركية وأفعالها وأقوالها حتى إذا هلك أولئك أي أهل ذلك القرن والقرن الثاني وأتى القرن الثالث نسي العلم الذي فيه بيان الشرك والتوحيد أو نسي العلم الذي نصبوا لأجله الأنصاب وهو تذكر العلم الذي كانوا يأخذونه منهم عبدت الصور حينئذ وذلك أنه جاءهم الشيطان أن آبائكم ما نصبوا هذه الأنصاب إلا أنهم يريدون شفاعتهم فتعلقت قلوبهم بها لأجل ذلك قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} . [يونس: ١٨] .
قال ابن القيم قال غير واحد من السلف: قال محمد بن كعب: إن ودًّا وسواعاً ويغوث ويعوق ونسرا هذه أسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان لهم أتباع يقتدون بهم ويأخذون بعدهم أخذهم في العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق إلى العبادة ففعلوا ثم نشأ قوم