واقف بين يديه، فلما تبين له قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير، فنظر فإذا القرية قد اعتمرت على أحسن ما يتصور، فسبحان من تفرد بالقدرة الكاملة والعلم المحيط بكل شيء فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، قال تعالى:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} . [الرعد: ١٤] .
قال ابن القيم:" وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو، فلا يبالي بأيهما ظفر من العبد من الخصلتين، فإنه يأتي إلى قلب العبد فيشمه فإن وجد فيه فتوراً أو توانياً أو ترخيصاً أخذه بالتقصير والتفريط، فثبطه وأقعده بالكسل والتواهن والفتور، وفتح له باب التأويلات والرجاء وغير ذلك، وإن وجد عنده حذرا وجدًّا وتشميراً ويقظة أخذه بالاجتهاد الزائد وسول له أن هذا المشروع ما يكفيك وهمتك فوق هذا وينبغي لك أن تزيد على العاملين وأن لا ترقد إذا رقدوا ولا تفتر إذا فتروا، إذا غسل أحدهم يديه ووجهه ثلاث مرات فاغسل أنت سبعاً، وإذا توضأ أنت اغتسل لها، ونحو هذا من الإفراط والتعدي فيحمله على الغلو والمجاوزة وتعدي الصراط المستقيم، كما يحمل الأول على التقصير، ومقصوده إخراج كل واحد عن الصراط المستقيم ولا ينجي من ذلك إلا الله؛ ثم علم راسخ وإيمان ثابت وقوة على محاربة ولزوم الوسط؛ لأن دين الله وسط بين الغالي والجافي، والله المستعان" انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
فإذا قلت: إن الله تعالى ما ذكر إلا الغلو الذي هو الإفراط ولم يذكر التفريط والتقصير. قلت يحتمل فيه أمران: لما تركه لدلالة الضد على الضد كما في قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} . [النحل: ٨١] . فلم يذكر البرد لدلالة الحر عليه، ذكر