ثم إن أغلب هؤلاء النقاد الكبار من تلاميذ وخرّيجي مدرسة شعبة بن الحجاج، وقد ورثوا عنه أسس علم الرجال ونهلوا من معينه الفياض ليتابعوا تشييد أركان هذا العلم باجتهاداتهم ودراساتهم الخاصة التي كانت معالم وشواهد على ما بذلوه من جهود متواصلة، وقد تم بالفعل إرساء أسس هذا العلم وأركانه على يد هذه الطبقة، لينصرف اهتمام من جاء بعدهم إلى جمع آرائهم وأقوالهم وعلى التصنيف في متفرقات ما وضعوه من أسس ودعائم. وحتى تظهر لنا بعض جهود هذه الفئة في نقد الرواة وتتبع أحوالهم، يجدر بي استعراض بعض مساهماتهم في هذا المجال.
أ - مالك بن أنس (١٧٩هـ)(١)
لقد عاصر الإمام مالك شعبة بن الحجاج، بل لقد كان من شيوخه، وإنما ذكرته مع الطبقة التي تلت شعبة لتأخر وفاته بعده بتسع عشرة سنة، ولا شك أنها مليئة بالعطاء، غنية بالمساهمة في علم الرجال.
من الذي يرد حديثه عند مالك؟ يرى الإمام مالك أن الحديث النبوي «لا يؤخذ من أربعة ويؤخذ من سوى ذلك:
- لا يؤخذ من رجل صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه.
- ولا من سفيه معلن بالسفه، وإن كان من أروى الناس.
- ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا أتهمه أن يكذب
(١) مصادر ترجمته: تقدمة المعرفة ١٩ والانتقاء لابن عبد البر ص ٩-٦٣ والمعارف لابن قتيبة ٤٩٨ والتاريخ لابن معين ٢/٥٤٣-٥٤٦ والحلية ٦/٣١٦ وترتيب المدارك ١/١٠٢-٢٥٤ وصفوة الصفوة ٢/١٧٧ ووفيات الأعيان ٤/١٣٥ وسير أعلام النبلاء ٨/٤٨-١٣٦ وتذكرة الحفاظ ١/٢٠٧ والديباج المذهب ١/٨٢-١٣٩.