للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السفينة وسرعة مرورها وخطر ذهابها فلم يصادف إلا مكانا ضيقا فجلس فيه وأكب بعضهم على تلك الحجارة المستحسنة والأزهار الفائقة فحمل منها حمله فلما جاء لم يجد فى السفينة الا مكانا ضعيفا وزاده حمله ضيقا فصار محموله ثقلا عليه ووبالا ولم يقدر على نبذه بل لم يجد من حمله بدا ولم يجد له فى السفينة موضعا فحمله على عتقه وندم على أخذه فلم تنفعه الندامة ثم ذبلت الأزهار وتغيرت اراييجها وآذاه نتنها وتولج بعضهم فى تلك الغياض ونسى السفينة وأبعد فى نزهته حتى أن الملاح نادى بالناس عند دفع السفينة فلم يبلغه صوته لاشتغاله بملاهيه فهو تارة يتناول من الثمر وتارة يشم تلك الانوار وتارة يعجب من حسن الأشجار وهو على ذلك خائف من سبع يخرج عليه غير منفك من شوك يتشبث فى ثيابه ويدخل فى قدميه أو غصن يجرح بدنه أو عوسج يخرق ثيابه ويهتك عورته أو صوت هائل يفزعه ثم من هؤلاء من لحق السفينة ولم يبق فيها موضع فمات على الساحل ومنهم من شغله لهوه فافترسته السباع ونهشته الحيات ومنهم من تاه فهام على وجهه حتى هلك فهذا مثال أهل الدنيا فى اشتغالهم بحظوظهم العاجلة ونسيانهم موردهم وعاقبة أمرهم وما أقبح بالعاقل أن تغره أحجار ونبات يصير هشيما قد شغل باله وعوقه عن نجاته ولم يصحبه

المثال الرابع: لاغترار الناس بالدينا وضعف ايمانهم بالآخرة قال ابن أبى الدنيا حدثنا اسحق بن اسماعيل حدثنا روح بن عباده حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال بلغنى أن رسول الله قال لاصحابه انما مثلى ومثلكم ومثل الدنيا كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء حتى اذا لم يدروا ما سلكوا منها أكثر أم ما بقى أنفدوا الزاد وحسروا الظهر وبقوا بين ظهرانى المفازة لا زاد ولا حمولة فأيقنوا بالهلكة فبينما هم كذلك اذ خرج عليهم رجل فى حلة يقطن رأسه فقالوا ان هذا قريب عهد بريف وما جاءكم هذا الامن قريب فلما انتهى اليهم قال يا هؤلاء علام أنتم قالوا على

<<  <   >  >>