قلبه منها بثلاثة شغل لا ينفك عناؤه وفقر لا يدرك غناؤه وأمل لا يدرك منتهاه الدنيا طالبه مطلوبه فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه وطالب الدنيا تطلبه الاخرة حتى يجئ الموت فيأخذ بعنقه يا معشر الحواريين ارضوا بدنئ الدنيا مع سلامة الدين كما رضى أهل الدنيا بدنئ الدين مع سلامة الدنيا
وقال ابن ابى الدنيا حدثنا هرون بن عبد الله حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا مالك ابن دينار قال قال ابو هريرة رضى الله عنه الدنيا موقوفه بين السماء والارض منذ خلقها الله تعالى الى يوم يفنيها تنادى ربها يا رب لم تبغضنى فيقول اسكتى يا لا شئ اسكتى يا لا شئ وقال الفضيل تجئ الدنيا يوم القيامة فتتبختر فى زينتها ونضرتها فتقول يا رب اجعلنى لأحسن عبادك دارا فيقول لا أرضاك له أنت لا شئ فكونى هباء منثورا
فصل: فى ذكر أمثلة تبين حقيقة الدنيا
المثال الاول: للعبد ثلاثة أحوال حالة لم يكن فيها شيئا وهى ما قبل أن يوجد وحالة أخرى وهى من ساعة موته الى مالا نهايه له فى البقاء السرمدى فلنفسه وجود بعد خروجها من البدن إما فى الجنة واما فى النار ثم تعاد الى بدنه فيجازى بعمله ويسكن احدى الدارين فى خلود دائم ثم بين هاتين الحالتين وهى ما بعد وجوده وما قبل موته حالة متوسطه وهى أيام حياته فلينظر الى مقدار زمانها وأنسبه الى الحالتين يعلم أنه أقل من طرفة عين فى مقدار عمر الدنيا ومن رأى الدنيا بهذه العين لم يركن اليها ولم يبال كيف تقضت أيامه فيها فى ضر وضيق أو فى سعه ورفاهية ولهذا لم يضع رسول الله لبنه على لبنه ولا قصبه على قصبه وقال: "مالى وللدنيا انما مثلى ومثل الدنيا الا كراكب قال فى ظل شجرة ثم راح وتركها" وقال: "ما الدنيا فى الآخرة الا كما يجعل أحدكم اصبعه فى اليم فلينظر بم يرجع" والى هذا أشار المسيح عليه السلام بقوله: "الدنيا