إياهم عليه عقوبة له وإذا كان الله قد عاقبه بان جعله لا يدخل إلا خائفا كان دخوله سببا لحصول الخوف له والخوف عقوبة فلا يكون الدخول إليها مأذونا فيه لأن ما أذن الله فيه لم يجعله سببا للعقوبة ولأن الله تعالى منعه أن يدخل إلا معاقبا بالخوف فعلم أن الدخول ليس مباحا مع مقامه على منع غيره لأن ما أبيح لا يشترط في الإذن فيه حصول عقوبة ولأن دخول المسجد وأن كان مباحا لكن إباحة الشيء قد تكون شرطا بالكف عن محرمات تتعلق بجنسه كما قال تعالى:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} فإنما أباح الأنعام لمن يعتقد تحريم الصيد في الإحرام فمن لم يلتزم هذا التحريم لم يكن مأذونا له في ذلك المباح من جهة الشارع فكذلك الدخول إلى المسجد يجوز أن يكون مشروطا برعاية حرمته والكف عن منع عباد الله من بيته وذلك أن المسجد إنما أبيح له أن يدخله بوصف الاشتراك فأما دخوله بوصف الانفراد فليس بجائز كمن منع غيره من أخذ المباحات ليأخذها هو مثل أن يمنعه عن الاحتشاش والاحتطاب والاصطياد ثم يأخذ ما منعه منه فإن هذا حرام وأن كان مباحا لو لم يمنع غيره وكذلك لو منع الناس أن يبيعوا أموالهم ليبيع هو ماله كان بيعه حراما لأنه إنما باعه على الوجه المحرم وهو بمنزلة المكره على الشراء منه.
وأيضا فمن صور هذه المسألة إذا احتجر موضعا من المسجد ومنع الناس من الصلاة فيه مثل المقصورة وقد كان السلف يكرهون الصلاة في المقصورة ويرون الصف الأول الذي يلي المقصورة ولولا أنهم اعتقدوا