للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وببدلِ صلحٍ عن إنكارٍ إن أقرَّ أن لا دين، ورهنُ الحجرينِ والمكيلِ والموزون، فإن رهنَ بجنسِهِ فهلكُهُ بمثلِهِ قدراً من دينه، ولا عبرةَ للجودة

شيئاً، ثمَّ ظهرَ العبدُ حرَّاً، والخلُّ خمراً، والشاةُ ميتةً فالرهنُ مضمون؛ أي إن هلكَ وقيمتُه عشرةُ دراهمٍ أو أكثر فعلى المرتهنِ عشرةُ دراهم يؤدِّيها إلى الراهن، وإن كانت قيمته أقلَّ فعليه القيمة؛ لأنَّ رهنَه بدينٍ واجبٍ ظاهراً.

(وببدلِ صلحٍ عن إنكارٍ إن أقرَّ أن لا دين)، صالحَ مع إنكارٍ ورهنَ ببدلِ الصلحِ شيئاً، ثمَّ تصادقا على أن لا دين، فالرهنُ مضمونٌ كما ذكر.

(ورهنُ الحجرينِ والمكيلِ والموزون، فإن رهنَ بجنسِهِ فهلكُهُ بمثلِهِ قدراً من دينه، ولا عبرةَ للجودة)، قوله: قدراً؛ تميَّزٌ من مثله؛ أي يعتبرُ المماثلةُ في القدر، وهو الوزنُ والكيلُ بلا اعتبارِ الجودة، وعندهما: يعتبرُ القيمة فيقوَّمُ بخلافِ الجنس، ويكون رهناً مكانه، فإن رهنَ إبريقَ فضَّةٍ وزنُهُ عشرةَ دراهمَ بعشرةِ دراهم، فهلكَ فعند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه - هلكَ بالدين، وعندهما إن كان قيمتُهُ مثلَ وزنه أو أكثرَ فكذا، وإن كان قيمتُهُ أقلَّ وهي ثمانيةٌ مثلاً يشتري بثمانيةَ دراهمٍ ذهب؛ ليكونَ رهناً مكانه.

فإن قيل: في هذا التركيب، وهو قوله: فهلكُهُ بمثلِهِ قدراً من دينِه؛ نظرٌ؛ لأنَّ الدَّينَ إذا كان خمسةَ عشرَ ووزنُهُ عشرةَ وقد هلكَ، فقد هلكَ بعشرة دراهم من الدين، فعلى المديونِ خمسة، فيكون: من؛ للتبعيض، فلا يتناولُ ما إذا كان وزنُهُ عشرةً والدَّينُ عشرة؛ لأنَّ التبعيضَ غيرُ ممكن، ولا يكون للبيان هنا؛ لأنَّه لمَّا أريدَ به التبعيض في صورةٍ لا يكونُ للبيانِ في صورةٍ أخرى؛ لأنَّ المشتركَ لا عمومَ له، ولا يتناولُ أيضاً: ما (١) إذا كان وزنُهُ خمسةَ عشرَ والدَّينُ عشرة؛ لأنَّه يصيرُ معناهُ أنَّ هلاكَهُ بمقدارِ خمسةَ عشرَ من الدين، وهو عشرة، فهذا غيرُ مستقيم.

قلنا: ليس غرضُهُ بيانُ أنَّه بأيِّ شيءٍ مضمونٌ في كلِّ صورة، بل الغرضُ أنَّه هالكٌ باعتبارِ الوزنِ لا باعتبارِ القيمة، فتقديرُهُ: أنَّه هالكٌ بمثله وزناً من الدينِ إذا كان الدينُ زائداً، فإذا عُلِمَ الحكمُ في هذهِ الصورةِ يُعْلَمُ في صورةِ المساواة، وفي صورة أن يكون الوزنُ زائداً على الدَّين، لما عرفَ أنَّ الفضلَ أمانة.


(١) زيادة من ب و ص و ف.

<<  <  ج: ص:  >  >>