فذلك بلاغة والفواصل مثله وإن كان يريد بالسجع ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود متكلف فذلك عيب والفواصل مثله. وكما يعرض التكلف في السجع عند طلب تماثل الحروف كذلك يعرض في الفواصل عند طلب تقارب الحروف وأظن أن الذي دعا أصحابنا إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعاً رغبة في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروى عن الكهنة وغيرهم وهذا غرض في التسمية قريب. فأما الحقيقة فما ذكرناه لأنه لا فرق بين مشاركة بعض القرآن لغيره من الكلام في كونه مسجوعاً وبين مشاركة جميعه في كونه عرضاً وصوتاً وحروفاً وعربياً ومؤلفاً وهذا مما لا يخفى فيحتاج إلى زيادة في البيان. ولا فرق بين الفواصل التي تتماثل حروفها في المقاطع وبين السجع. فإن قال قائل: إذا كان عندكم أن السجع محمود فهلا ورد القرآن كله مسجوعاً وما الوجه في ورود بعضه مسجوعاً وبعضه غير مسجوع. قيل: إن القرآن أنزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعادتهم وكان الفصيح من كلامهم لا يكون كله مسجوعاً لما في ذلك من أمارات التكلف والاستكراه والتصنع لا سيما فيما يطول من الكلام فلم يرد مسجوعاً جرياً به على عرفهم في الطبقة العالية من كلامهم. ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة التي قدمناها وعليها ورد في فصيح كلامهم فلم يجز أن يكون عالياً في الفصاحة وقد أخل فيه بشرط من شروطهاً فهذا هو السبب في ورود القرآن مسجوعاً وغير مسجوع والله أعلم.
ومن الكتاب المحدثين من كان يستعمل السجع كثيراً ولا يكاد يخل به وهو: أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي١ وأبو الفرج
١ هو إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون الحراني أبو إسحاق الصابئ نابغة كان أسلافه يعرفون بصناعة الطب ومال هو إلى الأدب فتقلد دوواين الرسالة والمظالم تقليدا سلطانيا في أيام المطيع لله العباسي ثم قلده معز الدولة الديلمي ديوان رسائله غخدمه وخدم بعده ابنه عز الدولة بختيار كان يحفظ القرآن وقد نشر له الأمير شكيب أرسلان رسائل الصابئ وعلق عليه حواشي نافعة وله كتاب الناجي وكتاب الهفوات النادرة الذي نشره المجمع العلمي العربي بدمشق توفي سنة ٣٨٤هـ.