للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضا: إمّا عاميّة، وهى المبتذلة؛ لظهور الجامع فيها؛ نحو: رأيت أسدا يرمى.

أو خاصّيّة، وهى الغريبة، والغرابة قد تكون فى نفس المشبّه؛ كقوله [من الكامل]:

وإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك الشّكيم إلى انصراف الزّائر

وقد تحصل بتصرف فى العامّيّة؛ كما فى قوله [من الطويل]:

وسالت بأعناق المطىّ الأباطح (١)

إذ أسند الفعل إلى الأباطح دون المطى أو أعناقها، وأدخل الأعناق فى السير.

ــ

لكل من القسمين اللاحقين وعكسه (قوله:" إما عامية") أى الاستعارة تارة تكون عامية، أى منسوبة إلى العوام وهى المبتذلة، لكون الجامع فيها ظاهرا، نحو:" رأيت أسدا يرمى وبحرا يتكلم" وقد تقدم ذكر هذا فى التشبيه، ولعمرى لقد كان المصنف مستغنيا بذكر كثير مما هنالك عن كثير مما ههنا، وعكسه، فإن الاستعارة تشبيه فى المعنى وتارة تكون خاصة، أى لا تستعملها إلا جماعة خواص الناس، وهم أصحاب الأذهان السليمة، وهى الغريبة، لأنها لا يدركها إلا من ارتفع عن درجة العوام.

ثم الغرابة قد تكون من نفس الشبه، أى يكون التشبيه غريبا كما فى تشبيه هيئة العنان فى موقعة من قربوس بهيئة الثوب فى موقعة من ركبة المحتبى، كقول زيد بن مسلمة بن عبد الملك يصف فرسا بأنه مؤدب:

وإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك الشّكيم إلى انصراف الزّائر (٢)

والقربوس: بفتح القاف والراء، ولا يجوز تسكين الراء إلا ضرورة؛ لأن فعلولا ليس موجودا (وقد تحصل) أى الغرابة (بتصرف فى العامية) بأن يكون التشبيه مشهورا، ولكنه يذكر على وجه غير مشهور، كما فى قوله:

ولما قضينا من منى كلّ حاجة ... ومسّح بالأركان من هو ماسح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطىّ الأباطح

فإنه استعمل:" سالت" بمعنى سارت بسرعة وسلاسة ولين، حتى كأنها سيل، وأصل تشبيه السير السريع بالسيل معروف، وإنما حسن التصرف فيه أفاد الغرابة، فإنه


(١) البيت لكثير عزة الإشارات ص ٢١٧، وصدره: أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا، الإيضاح ص: ١٧٥، ١٧٦.
(٢) الإيضاح بتحقيقى، والبيت لمحمد بن يزيد بن مسلمة. فى الإشارات ص: ٢١٦. القربوس: مقدم السرج. علك: مضغ. الشكيم: الحديدة المعترضة فى فم الفرس.

<<  <  ج: ص:  >  >>