للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإما ممتنع؛ كاستعارة اسم المعدوم للموجود؛ لعدم غنائه، ولتسمّ عناديّة، ومنها (١) التهكمية والتمليحيّة، وهما ما استعمل فى ضدّه أو نقيضه؛ لما مر؛ نحو: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢).

ــ

الثانى أن يكون اجتماعهما فى شئ ممتنعا، والمراد به ما كان وضع التشبيه فيه على ترك الاعتداد بالصفة، وان كانت موجودة؛ لخلوها مما هو ثمرتها، كاستعارة اسم المعدوم للموجود بواسطة عدم غنائه، أى نفعه فإن الموجود والمعدوم لا يجتمعان، وتسمى هذه الاستعارة عنادية، لتعاند طرفيها فى الاجتماع، وكان المصنف مستغنيا عن هذا المثال بأن يجعل: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ مثالا للوفاقية والعنادية، فإن" ميتا" الاستعارة فيه عنادية؛ لأنه شبه فيه الموجود الضال بالميت، والضلال والموت لا يجتمعان، لأن الضلال هو الكفر الذى شرطه الحياة؛ ولهذا مثل فى الإيضاح للعنادية بإطلاق الميت على الحى الجاهل (قوله:" ومنها") أى من العنادية التهكمية والتمليحية، وهما لفظ مستعمل فى ضده، أى ضد موضوعه، أو نقيضه كما مر فى التشبيه أن التشبيه قد ينتزع من نفس التضاد لاشتراك الضدين فيه، ثم ينزل منزلة التناسب بواسطة تمليح أو تهكم، فيقال للجبان:" ما أشبهه بالأسد" وللبخيل:" هو كحاتم" ونحو قوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ فالبشارة والإنذار لا يجتمعان فالاستعارة عنادية، ولك أن تقول: استعارة أحد النقيضين للآخر، لم يمثل له المصنف، وقد عطفه على استعارة اسم المعدوم للموجود، واستعارة المعدوم للموجود هو استعارة الوجود والعدم؛ لأن الاستعارة فيهما تبعية وهما نقيضان، إلا أن يقال: النقيضان هما الوجود وأن لا وجود، لا الوجود والعدم، فنقول حينئذ: إن ثبت ذلك، فليكن الوجود والعدم ضدين، وحاصله أن التهكمية والتمليحية إذا فسرنا بما ذكره لزم أن يكون كل استعارة عنادية كذلك، فينبغى أن يفسر التهكمية والتمليحية بما لا يجتمع طرفاه، ولم يقصد فيه تهكم ولا تمليح، وليعم أن إطلاق البشارة لا يكون إلا فى الخير عند الإطلاق، وإن كانت فى أصل اللغة لكل خبر تتغير له البشرة من خير وشر، فتكون حقيقة لغوية، ثم غلب استعمالها فى الخبر السار الصادق بالأول حتى صار استعمالها فى غيره مجازا، وما ذكره المصنف هو المشهور.

وقد أغرب الخفاجى، فقال فى سر الفصاحة: إن فبشرهم بعذاب أليم من مجاز المقابلة، لأنه لما ذكرت بالبشارة فى أهل الجنة ذكرت فى أهل النار، وقد تقدم النزاع معه فى ذلك عند الكلام فى مجاز المقابلة.


(١) أى من العنادية.
(٢) سورة التوبة: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>