للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يجوز استعمال اللفظ فى حقيقته ومجازه، فحينئذ يجوز أن تقول: زيد كثير الرماد، مريدا كرمه، وكثرة رماده المقصود لذاته، وأن تريد كرمه وكثرة رماده؛ ليستفاد من كثرة رماده كرمه، فيكون الكرم مدلولا عليه بالمجاز والكناية. وأما الحقيقة المجردة والكناية، فلا مانع من اجتماعهما بأن تقول: زيد كثير الرماد، وغرضك الإخبار بكثرة رماده؛ ليستفاد منه كرمه، ويستفاد حصول الرماد بنفسه لغرض ما، ولا تتخيل أن ذلك جمع بين حقيقتين، فإن إرادة الاستعمال فيه واحدة، والمتعدد إرادة الإفادة.

وقد تستعمل الكلمة فى معنى واحد؛ لتحصل أغراض لا تتناهى فظهر بهذا أن الكناية لفظ أريد به ما وضع له استعمالا، وغير ما وضع له إفادة. والمجاز أريد به غير ما وضع له استعمالا وإفادة. وعلم أن بين الكناية والمجاز عموما وخصوصا من وجه، يجتمعان فى القسم الرابع، ويرتفعان فى الحقيقة المجردة، ويوجد المجاز فقط، حيث استعمل اللفظ فى غير موضوعه، مرادا به إفادة مدلوله، وتنفرد الكناية فى استعمال اللفظ فى موضوعه، مرادا إفادة غيره.

إذا تحرر ذلك فاعلم أن فى كل من المجاز والكناية انتقالا. والانتقال تارة نعنى به انتقال المتكلم عن لفظ؛ إلى لفظ لانتقال ذهنه إليه، وتارة نعنى به انتقال ذهن السامع من اللفظ المستعمل إلى غيره. فإن أردت الأول فالمتكلم إذا أراد الإخبار بمعنى، فقد ينتقل ذهنه إلى ملزومه، فيستعمل لفظ الملزوم فى اللازم، كقولك: رأيت بحرا ماشيا تريد كريما، وقد ينتقل ذهنه إلى استعمال اللازم مريدا به الملزوم كقولك: كثير الرماد مريدا الكرم. وإن أردت انتقال ذهن السامع، فالحال بالعكس فالانتقال فى المثال الأول من الملزوم إلى اللازم، وفى المثال الثانى من اللازم إلى الملزوم، فظهر أن المجاز يحصل فيه تارة الانتقال من اللازم إلى الملزوم، وتارة بالعكس، كقول العرب: رعينا غيثا، فيطلق الملزوم على اللازم. وأمطرت السماء نباتا، يطلق اللازم على الملزوم. ويدل على ذلك أن من علاقات المجاز إطلاق المسبب على السبب وعكسه، والمتعلق على المتعلق وعكسه، والجزء على الكل وعكسه، وكل من الجزء والمسبب والمتعلق لازم للكل والسبب والمتعلق. والسكاكى جعل الانتقال فى المجاز أبدا من الملزوم إلى اللازم، نظرا إلى أنك إذا قلت: أمطرت السماء نباتا، فالنبات وإن كان ملازما للمطر إلا أنه باعتبار مساواته صار ملزوما، وفى هذا الكلام مناقشات، نذكرها فى

<<  <  ج: ص:  >  >>