للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شعوب المنية لا تنصرف يقول: لا خير فى الدنيا للشجاعة والصبر، لولا الموت، وهو صحيح؛ لأنه إنما تفضل الشجاعة والصبر، لما فيهما من الإقدام على الموت والمكروه للنفس، ولو كان الإنسان يعلم أنه مخلد، لما كان له فى الشجاعة فضل. وأما الندى:

فبالعكس، لأن الموت سبب يسهل الندى، ولا يجعل له فضلا؛ لأن من علم أنه يموت جدير بأن يجود بماله، كما قال طرفة:

فإن كنت لا تسطيع (١) دفع منيّتى ... فذرنى أبادرها بما ملكت يدى (٢)

وقول مهيار:

فكل إن أكلت، وأطعم أخاك ... فلا الزّاد يبقى ولا الآكل

وأجيب عنه: بأنه أراد بالندى بذل النفس، كقول مسلم بن الوليد:

يجود بالنفس إن ضنّ الجواد بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود (٣)

وهذا الجواب نقله الخفاجى فى سر الفصاحة عن الشريف المرتضى. ورد بأن لفظ الندى لا يكاد يستعمل فى بذل النفس، وإن استعمل فمضافا، أما مطلقا فلا يفيد إلا بذل المال ورد أيضا بأنه يلزم التكرار، فإن بذل النفس هو الشجاعة. قال ابن جنى:

معنى البيت: أن فى الخلود وتنقل الأحوال من عسر إلى يسر ما يسكن النفوس، ويسهل البوس، فعلى هذا يكون عدم الموت يقتضى الجود، كما قال المتنبى. وقيل: معناه: لولا تباين الناس فى التوطين على الموت لما فضل الكريم البخيل بقلة رغبته فى المال الذى هو متاع الدنيا. ونقل هذا أيضا عن الواحدى. ثم أقول: فى جعل هذا القسم من أصله من قسم الحشو نظر؛ لأن لفظ الندى أفاد معنى زائدا أراده المتكلم قطعا، وكونه لم يكن ينبغى له أن يزيد هذا المعنى أمر آخر يلحق نقصا بالكلام؛ فلا يكون زائدا؛ لأن الحشو تأدية المعنى بلفظ زائد عن المراد، وهذا إنما

يكون، لو كان لفظ الندى أفاده لفظ الشجاعة.


(١) البيت من الطويل، وهو لطرفة بن العبد فى معلقته، انظر شرح المعلقات السبع (ص ٤٨)، وشرح المعلقات العشر (ص ٧٤) ورواية العجز فيهما (فدعنى) بدلا من (فذرنى).
(٢) فى الأصل: تستطيع، والصواب ما أثبتناه.
(٣) البيت من البسيط، وهو لمسلم بن الوليد فى الأغانى (١٩/ ٤٠) وروايته فيه: (إذ ضن) بدلا من: (إن ضن).

<<  <  ج: ص:  >  >>