للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأنْزَل اللهُ تَعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، فَنَسَخَتْ هَذه الآيَة. وقَال مُقَاتِل: لَيْس في "آل عِمران" مِنْ الْمَنْسُوخ إلَّا هَذه الآيَة (١).

وقال في تَفْسِير سُورة "الطَّلاق" مَا نَصّه:

(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أي أطَقْتُم. هَذِه الآيَة نَاسِخَة لِقولِه تَعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (٢).

ورجّح ابنُ عَطية عَدَم النَّسْخ، حَيْث قَال: واخْتَلَف العُلَمَاء في قَوله: (حَقَّ تُقَاتِهِ)، فَقَالَتْ فِرْقَة: نَزَلَتْ الآيَة عَلى عُمُوم لَفْظِها، وأُلْزِمَت الأُمَّة أن تَتَّقِي الله غَايَة التَّقْوَى حَتَّى لا يَقَع إخْلال في شَيء مِنْ الأشْيَاء، ثُمّ إنَّ الله نَسَخَ ذلك عَنْ الأمَّة بِقَوله تَعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وبِقَولِه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: ٢٨٦].

وقَالَت جَمَاعَة مِنْ أهْل العِلْم: لا نَسْخ في شَيء مِنْ هَذا، وهَذه الآيَات مُتَّفِقَات، فَمَعْنَى هَذِه: اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتَه فِيمَا اسْتَطَعْتُم، وذَلك أن حَقّ تُقَاتِه هو بِحَسب أوَامِره ونَوَاهيه، وقد جَعَل تَعالى الدِّين يُسْرًا؛ وهَذا هُو القَول الصَّحِيح، وألّا يَعْصِي ابن آدَم جُمْلَة لا في صَغِيرَة ولا في كَبِيرَة، وألَّا يَفْتُر في العِبَادَة أمر مُتَعَذِّر في جِبِلّة البَشَر، ولَو كَلَّف الله هَذا لَكَان تَكلِيف مَا لا يُطَاق، ولم يَلْتَزِم ذلك أحَد في تَأويل هَذه الآيَة، وإنما عَبَّرُوا في تَفْسِير هَذه الآيَة بأنْ قَال ابن مسعود رضي الله عنه: حَق تُقَاتِه: هو أن يُطَاع فلا يُعْصَى، ويُشْكَر فلا يُكْفَر، ويُذْكَر فلا يُنْسَى. وكَذلك عَبَّر الربيع بن خثيم وقتادة والحسن، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: مَعْنَى قوله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)، (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) [الحج: ٧٨] ولا نَسْخ في الآيَة.

وقال طَاوس في مَعْنَى قَوله تَعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ): يَقُول تَعالى: إن لَم تَتَّقُوه ولَم تَسْتَطِيعُوا ذَلك فَلا تَمُوتُنّ إلَّا وأنْتُم


(١) معالم التنزيل، مرجع سابق (١/ ٣٣٣).
(٢) المرجع السابق (٤/ ٣٥٤).

<<  <   >  >>