للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال آخَرُون: بل مَعْنَى ذلك: إنَّهم مَحْجُوبُون عن رُؤيَة رَبِّهم.

وأوْلَى الأقْوَال في ذلك بِالصَّوَاب أن يُقَال: إنَّ الله تعالى ذِكْرُه أخْبَر عن هَؤلاء القَوْم أنَّهم عن رُؤيَتِه مَحْجُوبُون.

ويُحْتَمَل أن يَكُون مُرَادًا به الْحِجَاب عن كَرَامَتِه، وأن يَكُون مُرَادًا به الْحِجَاب عن ذلك كُلِّه، ولا دَلالة في الآيَة تَدُلّ على أنه مُرَاد بِذلك الْحِجَاب عن مَعْنَى مِنه دُون مَعْنَى، ولا خَبَر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَامَتْ حُجَّتُه.

فَالصَّوَاب أن يُقَال: هُمْ مَحْجُوبُون عَنْ رُؤيَتِه وعَن كَرَامَتِه، إذ كان الْخَبَر عَامًّا لا دَلالة على خُصُوصِه (١).

وقَوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) يَقُول تَعَالى ذِكْرُه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) يَعْنِي يَوْم القِيَامَة (نَاضِرَةٌ) يَقُول: حَسَنَة جَمِيلَة، مِنْ النَّعِيم، يُقَال مِنْ ذلك: نَضُر وَجْه فلان، إذا حَسُن مِنْ النِّعْمَة، ونَضَّر الله وَجْهه، إذا حَسَّنَه كَذلك.

وقَوله: (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) اخْتَلَف أهْل التَّأوِيل في تَأوِيل ذلك؛ فَقَال بَعْضُهم: مَعْنَى ذلك أنها تَنْظُر إلى رَبِّها.

وقال آخَرُون: بل مَعْنَى ذلك أنَّها تَنْتَظِر الثَّوَاب مِنْ رَبِّها.

وأوْلى القَوْلَين في ذلك عِندنا بِالصَّوَاب … أنَّ مَعْنَى ذَلك: تَنْظُر إلى خَالِقِها، وبذلك جَاء الأثَر عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (٢).

وبِهَذا جَمَع ابن الجوزي بَيْن آيَتي "الأنعام" و"القيامة"، فَقَال: قَوله تَعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) في الإدْرَاك قَوْلان:

أحَدُهما: أنه بِمَعْنَى الإحَاطَة.

والثَّاني: بِمَعْنَى الرُّؤيَة.


(١) جامع البيان، مرجع سابق (٢٤/ ٢٠٤ - ٢٠٦) باختصار.
(٢) المرجع السابق (٢٣/ ٥٠٦ - ٥١٠) باختصار.

<<  <   >  >>