للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم ذَكَر الْخِلاف في الاسْتِثْنَاء، فَقَال: واخْتَلَف أهْل العِلْم والتَّأويل في مَعْنى ذلك، فَقَال بَعْضُهم: هَذا اسْتِثْنَاء اسْتَثْنَاه الله في أهْل التَّوحِيد أنه يُخْرِجُهم مِنْ النَّار إذا شَاء بَعْد أن أدْخَلَهم النَّار.

وقال آخَرُون: الاسْتِثْنَاء في هَذه الآيَة في أهْل التَّوحِيد، إلَّا أنّهم قَالوا: مَعْنى قَوله (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) إلَّا أن يَشَاء رَبُّك أن يَتَجَاوَز عنهم فَلا يُدْخِلُهم النَّار. ووَجَّهُوا الاسْتِثْنَاء إلى أنّه مِنْ قَوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ) - (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) لا مِنْ الْخُلُود.

وقال آخَرُون: عُنِي بِذلك أهْل النَّار، وكُلّ مَنْ دَخَلَها.

وقال آخَرُون: أخْبَرَنا الله بِمَشِيئتِه لأهْل الْجَنَّة، فَعَرَّفَنا مَعْنَى ثُنْيَاه بِقَولِه: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود: ١٠٨] أنّهَا الزِّيَادَة على مِقْدَار مُدَّة السَّمَاوَات والأرْض. قَال: ولَم يُخْبِرنا بِمَشِيئتِه في أهْل النَّار، وجَائز أن تَكُون مَشِيئتُه في الزِّيَادَة، وجَائز أن تَكُون في النُّقْصَان.

وأوْلَى هَذه الأقْوَال في تَأويل هَذه الآيَة بِالصَّوَاب - عند ابن جرير - "أنَّ ذلك اسْتِثْنَاء في أهْل التَّوحِيد مِنْ أهْل الكَبَائر أنه يُدْخِلُهم النَّار خَالِدِين فِيها أبَدًا إلَّا مَا شَاء مِنْ تَرْكِهم فِيها أقلّ مِنْ ذلك، ثم يُخْرِجُهم فَيُدْخِلهم الْجَنَّة".

ثم عَلَل اخْتِيَارَه بِقَوله: وإنّما قُلْنَا ذَلك أوْلى الأقْوَال بِالصِّحَّة في ذَلك لأنَّ الله جَلَّ ثَنَاؤه أوْعَد أهْل الشِّرْك بِه الْخُلُود في النَّار، وتَظَاهَرَتْ بِذلك الأخْبَار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَغَيْر جَائز أن يَكُون اسْتِثْنَاء في أهْل الشِّرْك، وأنَّ الأخْبَار قد تَوَاتَرَتْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الله يُدْخِل قَومًا مِنْ أهْل الإيمان بِه بِذُنُوب أصَابُوها النَّار ثم يُخْرِجُهم مِنها فَيُدْخِلهم الْجَنَّة، فَغَيْر جَائز أن يَكُون ذَلك اسْتِثْنَاء أهْل التَّوحِيد قَبْل دُخُولِها مَع صِحَّة الأخْبَار عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِمَا ذَكَرْنا (١).


(١) جامع البيان، مرجع سابق (١٢/ ٥٧٩ - ٥٨٣) باختصار.

<<  <   >  >>