للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَرِيب مِنه مَا قَالَه في آيَة "الفرقان"، إذْ يَقُول: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) أي: على هذا البَلاغ وهَذا الإنْذار مِنْ أُجْرَة أطْلُبُها مِنْ أمْوَالِكم، وإنّمَا أفْعَل ذلك ابْتِغَاء وَجْه الله تَعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) [التكوير: ٢٨] (إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا) أي: طريقًا ومَسْلَكًا ومَنْهَجًا يُقْتَدَى فِيها بِمَا جِئتُ بِه (١).

وأوْرَد مَا رَوَاه البخاري عن ابن عباس - في آيَة "الشورى" - وذلك بَعْد قَوله: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) أي: قُلْ يا محمد لهؤلاء الْمُشْرِكِين مِنْ كُفَّار قُرَيش: لا أسْألُكُم عَلى هَذا البَلاغ والنُّصْح لَكم مَالًا تُعْطُونِيه، وإنّمَا أطْلُب مِنْكُم أن تَكُفُّوا شَرَّكُم عَنِّي، وتَذَرُونِي أُبَلِّغ رِسَالات رَبِّي؛ إن لم تَنْصُرُونِي فَلا تُؤذُونِي.

وقَوْل ثَان - أوْرَدَه ابنُ كثير - وهو: كَأنه يَقُول: إلَّا الْمَوَدَّة في القُرْبَى، أي: إلَّا أن تَعْمَلُوا بِالطَّاعَة التي تُقَرِّبكم عِنْد الله زُلْفَى.

وقَوْل ثَالِث - وهو مَا حَكاه البخاري وغيره رِواية عن سعيد بن جبير - مَا مَعْنَاه أنه قال: مَعْنَى ذلك أن تَوَدُّوني في قَرَابَتِي، أي: تُحْسِنُوا إلَيهم وتَبَرُّوهم.

ورَجَّح ابن كثير مَا قاله ابن عباس في تَفْسِير الآيَة، حيث قَال ابن كثير: والْحَقّ تَفْسِير هَذِه الآيَة بِمَا فَسَّرَها بِه حَبْر الأُمَّة وتَرْجُمَان القُرْآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كَمَا رَوَاه عنه البُخَاري ولا نُنْكِر الوُصَاة بأهْل البَيْت والأمْر بالإحْسَان إلَيهم واحْتِرَامهم وإكْرَامهم فَإنّهُم مِنْ ذُرِّيَّة طَاهِرَة مِنْ أشْرَف بَيْت وُجِد عَلى وَجْه الأرْض فَخْرًا وحَسبًا ونَسَبًا، ولا سِيَّمَا إذا كَانُوا مُتَّبِعِين للسُّنَّة النَّبَوِيَّة الصَّحِيحَة الوَاضِحَة الْجَلِيَّة، كَمَا كَان عليه سَلْفهم كَالعباس وبَنِيه وعَلِيّ وأهْل بَيْته وذُرِّيَّته رضي الله عنهم أجْمَعِين.


(١) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١٠/ ٣١٦).

<<  <   >  >>