للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في هَذه الآيَة أنه لَيس لَه سُلْطَان على أحَدٍ مِنْ عَبِيد الله، سَواء كَانُوا مُخْلَصِين أوْ لَم يَكُونُوا مُخْلَصِين، بل مَنْ اتَّبع مِنهم إبْلِيس بِاخْتِيَارِه صَار مُتَّبِعًا لَه، ولكن حُصُول تلك الْمُتَابَعَة أيضًا لَيس لأجْل أنَّ إبْلِيس يَقْهَره على تِلك الْمُتَابَعَة، أوْ يُجْبِره عَليها، والْحَاصِل في هَذا القَوْل أنَّ إبْلِيس أوْهَم أنَّ له على بَعْض عِبَاد الله سُلْطَانًا، فَبَيَّن تَعالى كَذِبَه فيه، وذَكَرَ أنه لَيس له على أحَد مِنهم سُلْطَان ولا قُدْرَة أصْلًا، ونَظِير هَذه الآيَة قَوله تَعالى حِكَاية عَنْ إبْلِيس أنه قَال: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم: ٢٢]، وقَال تَعالى في آيَة أُخْرَى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل: ٩٩، ١٠٠] (١).

ثم بيّن مَعنى (إِلَّا)، وأنّهَا تَأتي بِمَعْنَى الاسْتِثْنَاء، أوْ بِمَعْنى (لكنّ) (٢).

وفي آيَة "الإسراء" قَال الرَّازي: لَمَّا قَال لَه: افْعَل مَا تَقْدِر عَليه، فَقَال تَعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)، وفيه قَولان:

الأوَّل: أنَّ الْمُرَاد كُلّ عِبَاد الله مِنْ الْمُكَلَّفِين، وهذا قول أبي علي الجبائي (٣).

والقَول الثَّاني: أنَّ الْمُرَاد بِقَوله: (إِنَّ عِبَادِي) أهْل الفَضْل والعِلْم والإيمان، لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّم أنَّ لَفْظ العِبَاد في القُرآن مَخْصُوص بأهْل الإيمان (٤)، والدَّلِيل عَليه أنه قَال في آيَة أُخْرَى: (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّونَهُ) (٥).


(١) التفسير الكبير، مرجع سابق (١٩/ ١٥١).
(٢) المرجع السابق، الموضع السابق.
(٣) في هذا القول والقول السابق (١٩/ ١٥١) نقل الرازي ما قالته المعتزلة في "أنه لا سبيل لإبليس وجنوده على تصريع الناس وتخبيط عقولهم، وأنه لا قدرة له إلا على قدر الوسوسة". ولم يتعقب ذلك القول، وسيأتي تعقب هذا القول في "رأي الباحث".
(٤) سبق تعقب هذا القول، وأن العبودية تطلق بمعنى خاص وآخر عام.
(٥) التفسير الكبير، مرجع سابق (٢١، ٧، ٨).

<<  <   >  >>